للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ١٣٣]]

وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣)

وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ أي إلى ما يؤدي إليهما من الاستغفار والتوبة والأعمال الصالحة. وقوله عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أي كعرضهما، كما قال في سورة الحديد: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [الحديد: ٢١] . وفي العرض وجهان:

الأول- أنه على حقيقته. وتخصيصه بالذكر تنبيها على اتساع طولها. فإن العرض في العادة أدنى من الطول، كما قال تعالى في صفة فرض الجنة: بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ [الرحمن: ٥٤] . أي فما ظنك بظاهرها؟ فكذا هنا.

والثاني- أنه مجاز عن السعة والبسطة. قال القفال: ليس المراد بالعرض هاهنا ما هو خلاف الطول، بل هو عبارة عن السعة، كما تقول العرب: بلاد عريضة، ويقال: هذه دعوى عريضة أي واسعة عظيمة. والأصل فيه أن ما اتسع عرضه لم يضق وما ضاق عرضه دق، فجعل العرض كناية عن السعة. وقال الزمخشريّ: المراد وصفها بالسعة والبسطة. فشبهت بأوسع ما علمه الناس من خلقه تعالى وأبسطه- والله أعلم. أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ١٣٤]]

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ أي في حال الرخاء واليسر وَالضَّرَّاءِ أي في حال الضيقة والعسر. وإنما افتتح بذكر الإنفاق لأنه أشق شيء على النفس، فمخالفتها فيه منقبة شامخة وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ أي الممسكين عليه في نفوسهم، الكافّين عن إمضائه مع القدرة عليه، اتقاء التعدي فيه إلى ما وراء حقه.

روى الإمام أحمد «١» عن جارية بن قدامة السعديّ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قل لي قولا ينفعني وأقلل عليّ لعلّي أعيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:


(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٣/ ٤٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>