للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما يأتيني الخصم. فلعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأقضي له.

فمن قضيت له بحقّ مسلم فإنما هي قطعة من نار. فليحملها أو ليذرها

. فدلّت هذه الآية الكريمة وهذا الحديث على أنّ حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر. فلا يحل في نفس الأمر حراما هو حلال، ولا يحرم باطلا هو حلال. وإنما هو ملزم في الظاهر. فإن طابق في نفس الأمر فذاك. وإلّا فللحاكم أجره. وعلى المحتال وزره.

ولهذا قال تعالى في آخر الآية وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي: تعلمون بطلان ما تدعونه وتروجونه في كلامكم. قال قتادة: اعلم يا بني آدم..! أنّ قضاء القاضي لا يحل حراما، ولا يحقّ لك باطلا. وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى وتشهد به الشهود، والقاضي بشر يخطئ ويصيب. واعلموا أنّ من قضى له بباطل أنّ خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة. فيقضي على المبطل للمحق بأجود مما قضى به للمبطل على المحق في الدنيا.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ١٨٩]]

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩)

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية: بلغنا أنهم قالوا: يا رسول الله! لم خلقت الأهلّة؟ فنزلت.

وروى أبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس قال: نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم. قالا: يا رسول الله! ما بال الهلال يبدو- أو يطلع- دقيقا مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدقّ حتى يعود كما كان، لا يكون على حال واحد؟

فنزلت.

ومعنى كونها مَواقِيتُ لِلنَّاسِ معالم لهم في حلّ دينهم، ولصومهم، ولفطرهم، وأوقات حجهم، وأجائرهم، وأوقات الحيض وعدد نسائهم، والشروط التي إلى أجل. فكلّ هذا مما لا يسهل ضبط أوقاتها إلّا عند وقوع الاختلاف في شكل القمر زيادة ونقصا. ولهذا خالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة على حالة واحدة.

قال بعض المفسّرين: ثمرة الآية أنّ الأحكام الشرعية- كالزكاة والعدد للنساء والحمل تتعلق بشهور الأهلّة لا بشهور الفرس. أمّا ما تعلّق بالعقود والأفعال المتعلقة

<<  <  ج: ص:  >  >>