قال أبو السعود: وإنما نسب الخلق والتصوير إلى المخاطبين، مع أن المراد بهما خلق آدم عليه السلام وتصويره حتما، توفية لمقام الامتنان حقه، وتأكيدا لوجوب الشكر عليهم، بالرمز إلى أن لهم حظّا من خلقه عليه السلام وتصويره، لما أنهما ليسا من الخصائص المقصورة عليه، بل من الأمور السارية إلى ذريته جميعا، إذ الكل مخلوق في ضمن خلقه على نمطه، ومصنوع على شاكلته، فكأنهم الذي تعلق به خلقه وتصويره. أي: خلقنا أباكم آدم طينا غير مصور، ثم صورناه أبدع تصوير، وأحسن تقويم، سار إليكم جميعا- انتهى-.
قالَ سبحانه وتعالى ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ أي أن تسجد كما وقع في سورة (ص) . و (لا) مزيدة للتنبيه على أن الموبّخ عليه ترك السجود. ولتوكيد لمعنى الفعل الذي دخلت عليه وتحقيقه، كما في قوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ [الحديد: ٢٩] ، كأنه قيل: ليتحقق علم أهل الكتاب، وما منعك أن تحقق السجود وتلزمه نفسك. وتوقف بعض المحققين في وجه إفادة (لا) النافية تأكيد ثبوت الفعل مع إيهام نفيه، واستظهر الشهاب أنها لا تؤكده مطلقا، بل إذا صحبت نفيا مقدما أو مؤخرا صريحا أو غير صريح، كما في غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ وكما هنا، فإنها تؤكد تعلق المنع به- انتهى-.
وقيل (ما منعك) محمول على (ما حملك وما دعاك) مجازا أو تضمينا. وقال الراغب: المنع ضد العطية، وقد يقال في الحماية. والمعنى ما حماك عن عدم السجود. ولا يخفى أن السؤال عن المانع من السجود، مع علمه به، للتوبيخ ولإظهار معاندته وكفره وكبره وافتخاره بأصله وتحقيره أصل آدم عليه السلام. كما أوضحه قوله تعالى: قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قال ابن كثير. هذا من العذر الذي هو أكبر من الذنب- انتهى-.
وإنما قال هذا، ولم يقل (منعني كذا) مطابقة للسؤال. لأن في هذه الجملة