روى الأئمة هاهنا آثارا كثيرة، نأتي منها على جوامعها:
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من (تبوك) حين فرغ، فأراد الحج ثم قال: إنما يحضر المشركون فيطوفون عراة فلا أحب أن أحج. حتى لا يكون ذلك: فأرسل أبا بكر وعليّا فطافا بالناس في (ذي المجاز) وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها، وبالمواسم كلها، فآذنوا أصحاب العهد بأن يؤمنوا أربعة أشهر، فهي الأشهر المتواليات، عشرون من ذي الحجة، إلى عشر يخلون من ربيع الآخر، ثم لا عهد لهم، وآذن الناس كلهم بالقتال، إلى أن يؤمنوا.
وروى ابن إسحاق بسنده عن أبي جعفر محمد بن عليّ رضوان الله عليه قال: لما نزلت (براءة) على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد كان بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليقيم للناس الحج، قيل له: يا رسول الله! لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال: لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي. ثم دعا عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال له:
اخرج بهذه القصة من صدر براءة، وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى، أنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. ومن كان له عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فهو له إلى مدته. فخرج عليّ بن أبي طالب على ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (العضباء) حتى أدرك أبا بكر الصديق، فلما رآه أبو بكر بالطريق قال: أمير أو مأمور؟ فقال: بل مأمور. ثم مضيا.، فأقام أبو بكر للناس الحج، والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي كانوا عليها في الجاهلية. حتى إذا كان يوم النحر قام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال: أيها الناس! إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. ومن كان له عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فهو له إلى مدته. وأجّل الناس أربعة أشهر من يوم أذّن فيهم، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة. إلا أحد كان له عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إلى مدة، فهو له إلى مدته.
فلم يحجّ بعد ذلك العام مشرك، ولم يطف بالبيت عريان.
ثم قدما على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قال ابن إسحاق: فكان هذا من أمر (براءة) فيمن كان من أهل الشرك من أهل العهد العامّ، وأهل المدة إلى الأجل المسمى.