الآخرة بسببها، من فنون العذاب، بقوله وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً أي نارا شديدة الاستعار، أي التوقد والالتهاب.
وقيل: هذا الإضراب عطف على ما حكى عنهم وهو وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ على معنى: بل أتوا بأعجب من ذلك كله، وهو تكذيبهم بالساعة. والحال أنا قد أعتدنا لكل من كذب بها سعيرا. فإن جراءتهم على التكذيب بها، وعدم خوفهم مما أعد لمن كذب بها، أعجب من القول السابق.
ويجوز أن يتصل بما يليه، كأنه قيل: بل كذبوا بالساعة، فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب؟ وكيف يصدقون بتعجيل ما وعدك الله في الآخرة وهم لا يؤمنون بها؟.
إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً أي إذا كانت بمرأى منهم (أي قريبة منهم) ونسبة الرؤية إليها لا إليهم، للإيذان بأن التغيظ والزفير منها، لهيجان غضبها عليهم عند رؤيتها إياهم، حقيقة أو تمثيلا. و (من) في قوله مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ إشعار بأن بعد ما بينها وبينهم من المسافة، حين رأتهم، خارج عن حدود البعد المعتاد في المسافات المعهودة. فيه مزيد تهويل لأمرها. أفاده أبو السعود. و (التغيّظ) إظهار الغيظ وهو أشد الغضب، وقد يكون مع صوت كما هنا.
شبه صوت غليانها بصوت المغتاظ وزفيره، وهو صوت يسمع من جوفه، تصريحا أو مكنيا أو تمثيلا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ١٣ الى ١٤]
وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ أي قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً أي هلاكا. أي نادوه نداء المتمني الهلاك. ليسلموا مما هو أشد منه. كما قيل: أشد من الموت ما يتمنى معه الموت. فيقال لهم لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً لكثرة أنواعه المتوالية. فإن عذاب جهنم ألوان وأفانين. أو كثرته باعتبار تجدد أفراده وإن كان متحدا. أو كثرته كناية عن دوامه. لأن