معلما أن شمول الرحمانية بأمن الدنيا ورزقها لجميع عمرة الأرض وَمَنْ كَفَرَ أي أنيله أيضا ما ألهمتك من الدعاء بالأمن والرزق، فهو عطف على مفعول فعل محذوف، دلّ الكلام عليه. ويجوز أن تكون مِنَ مبتدأ موصولة أو شرطية. وقوله فَأُمَتِّعُهُ خبره أو جوابه. وعبر عن رزقه بالمتعة التي هي الزاد القليل والبلغة، تخسيسا له، وأكد ذلك بقوله قَلِيلًا تمتيعا قليلا، أو زمانا قليلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ أي ألجئه إليه كما قال تعالى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [الطور: ١٣] ، ويَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ [القمر: ٤٨] وقرئ فأمتعه قليلا ثم اضطره، بلفظ الأمر فيهما على أنهما من دعاء إبراهيم عليه السلام، وفي قالَ ضميره وَبِئْسَ الْمَصِيرُ النار أو عذابها.
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ أي اذكر بناءهما البيت ورفعهما القواعد منه. وصيغة الاستقبال لحكاية الحال الماضية، لاستحضار صورتها العجيبة والقواعد: جمع قاعدة، وهي الأساس والأصل لما فوقه، وقال الزجاج:
القواعد: أساطين البناء التي تعمده رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا على إرادة القول أي يقولان، وترك مفعول تَقَبَّلْ ليعم الدعاء وغيره من القرب والطاعات، التي من جملتها ما هما بصدده من البناء. كما يعرب عنه جعل الجملة الدعائية حالية إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ لدعائنا الْعَلِيمُ بضمائرنا ونياتنا. وفي صحيح البخاريّ «١» عن ابن عباس في حديث مجيء إبراهيم لتفقد إسماعيل عليهما السلام، ثم قال: يا إسماعيل! إن الله قد أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال:
فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها. قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. قال فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.