وروى البزّار عن ابن عباس قال: هذه الآية في أهل قباء، سألهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنا نتبع الحجارة بالماء. فإن صح ذلك كان المراد من الآية. وتكون حثّا على الطهارة المذكورة، ومدحا لها. وكون ذويها على الضد من صفات أولئك، يستفاد من عموم هذا، ومن قوله تعالى لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى ... الآية.
العاشر- قال القاشاني: لما كان عالم الملك تحت قهر عالم الملكوت، وتسخيره، لزم أن يكون لنيات النفوس وهيئاتها تأثير فيما يباشرها من الأعمال، فكل ما فعل بنية صادقة لله تعالى عن هيئة نورانية، صحبته بركة ويمن وجمعية وصفاء، وكل ما فعل بنية فاسدة شيطانية عن هيئة مظلمة، صحبته تفرقة وكدورة ومحق وشؤم. ألا ترى الكعبة كيف شرفت وعظمت وجعلت متبركة لكونها مبنية على يدي نبيّ من أنبياء الله، بنية صادقة، ونفس شريفة صافية، عن كمال إخلاص لله تعالى؟ ونحن نشاهد أثر ذلك في أعمال الناس، ونجد أثر الصفاء والجمعية في بعض المواضع والبقاع، والكدورة والتفرقة في بعضها. وما هو إلا لذلك، فلهذا قال لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى ... الآية- لأن الهيئات الجسمانية مؤثرة في النفوس، كما أن الهيئات النفسانية مؤثرة في الأجسام، فإذا كان موضع القيام مبنيّا على التقوى وصفاء النفس، تأثرت النفس باجتماع الهمة، وصفاء الوقت، وطيب الحال، وذوق الوجدان. وإذا كان مبنيّا على الرياء والضرار، تأثرت بالكدورة والتفرقة والقبض. وفيه إشعار بأن زكاء نفس الباني، وصدق نيته، مؤثر في البناء. وأن تبرّك المكان، وكونه مبنيّا على الخير، يقتضي أن يكون فيه أهل الخير والصلاح، ممن يناسب حاله حال بانيه، وأن محبة الله واجبة لأهل الطهارة لقوله وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ.