ثالثها: أنه مجاز عن غاية القرب من العبد، لأن من فصل بين شيئين كان أقرب إلى كل منهما من الآخر، لاتصاله بهما، وانفصال أحدهما عن الآخر. و (يحول) إما استعارة تبعية معناه يقرب. أو استعارة تمثيلية. وهذا المعنى نقل عن قتادة حيث قال: الآية كقوله تعالى وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: ١٦] وفيه تنبيه على أنه تعالى مطلع، من مكنونات القلوب، على ما عسى أن يغفل عنه صاحبها.
وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أي فيجزيكم بأعمالكم.
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً الفتنة: إما بمعنى الذنب، كإقرار المنكر، وافتراق الكلمة والتكاسل في الجهاد وإما بمعنى العذاب. فإن أريد الذنب فإصابته بإصابة أثره. وإن أريد العذاب، فإصابته بنفسه. ولا تُصِيبَنَّ جواب للأمر، أي: إن إصابتكم لا تختص إصابتها بمن يباشر الظلم منكم، بل تشملهم وغيرهم بشؤم صحبتهم، وتعدي رذيلتهم إلى من يخالطهم، كقوله تعالى ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم: ٤١] . قاله القاشانيّ.
وقد روى الإمام أحمد «١» عن جرير أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعملون، ثم لم يغيروه، إلا عمهم الله بعقاب.
وروي نحوه عن عدي بن عميرة وحذيفة والنعمان وعائشة وأم سلمة.
قال الكرخي: ولا يستشكل هذا بقوله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الأنعام: ١٦٤] ، لأن الناس، إذا تظاهروا بالمنكر، فالواجب على كل من رآه أن يغيره، إذا كان قادرا على ذلك فإذا سكت فكلهم عصاة. هذا يفعله، وهذا برضاه.
وقد جعل تعالى، بحكمته، الراضي بمنزلة العامل، فانتظم في العقوبة. انتهى.
وذكر القسطلاني أن علامة الرضا بالمنكر عدم التألم من الخلل الذي يقع في الدين بفعل المعاصي، فلا يتحقق كون الإنسان كارها له، إلا إذا تألم للخلل الذي يقع في الدين، كما يتألم ويتوجع لفقد ماله أو ولده، فكل من لم يكن بهذه الحالة