للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحف بهم بيض الوجوه وعصبة ... كراسيّ بالأحداث حين تنوب

يعني بذلك علمه بحوادث الأمور ونوازلها. وروى ابن جرير أيضا عن الحسن:

أن الكرسيّ في الآية هو العرش. وأيده بعضهم بأن لفظ عرش المملكة وكرسيّها مترادفان. ولذلك قال تعالى على لسان سليمان: أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل: ٣٨] ، فالعرش والكرسيّ هما شيء واحد وإنما سماه هنا. كرسيّا، إعلاما باسم له آخر. وَلا يَؤُدُهُ أي لا يثقله ولا يشق عليه. يقال: آده الأمر أودا وأوودا (كقعود) بلغ منه المجهود والمشقة حِفْظُهُما أي السموات والأرض فلا يفتقر إلى شريك ولا ولد. وكيف يشق عليه وَهُوَ الْعَلِيُّ قال ابن جرير. قال بعضهم: يعني بذلك علوّه عن النظير والأشباه. وقال آخرون: معناه العلي على خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه. لأنه تعالى ذكره فوق جميع خلقه.

وخلقه دونه. كما وصف به نفسه أنه على العرش. فهو عال بذلك عليهم.

الْعَظِيمُ أي أعظم كل شيء بالجلال والكبرياء والقهر والقدرة والسلطان.

[تنبيه:]

آية الكرسيّ هذه لها شأن عظيم وفضل كبير. وقد صح الحديث «١» عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأنها أعظم آية في كتاب الله وأنها مشتملة على اسم الله الأعظم، وقد ساق ما ورد في فضلها الإمام ابن كثير في (تفسيره) والجلال السيوطيّ في (الدر المنثور) فانظرهما.

قال الزمخشريّ: فإن قلت: لم فضلت هذه الآية حتى ورد في فضلها ما ورد.

قلت: لما فضلت له سورة الإخلاص من اشتمالها على توحيد الله تعالى وتعظيمه وتمجيده وصفاته العظمى ولا مذكور أعظم من رب العزة. فما كان ذكرا له كان أفضل من سائر الأذكار.

وقد حكى السيوطيّ في (الإتقان) عن الأشعريّ والباقلانيّ وابن حبان المنع من أن يقال في القرآن فاضل وأفضل. قالوا: وما ورد مما يفيد ذلك محمول على الأعظمية في الأجر لا أن بعض القرآن أفضل من بعض. وقد ردّ ذلك غير واحد، حتى


(١)
أخرجه الإمام أحمد في المسند بالصفحة ٤٦١ من ج ٦ ونصه: عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول في هذين الآيتين: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. والم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، أن فيهما اسم الله الأعظم
.

<<  <  ج: ص:  >  >>