الحكم، وإنما أطلق عليه لأنه مكتوب في اللوح. ولأئمة التفسير أقوال في تفسيره.
فقيل: هو أنه لا يعذب قوما إلا بعد تقديمهم النهي، ولم يتقدم نهي عن ذلك، وقيل:
هو أنه لا يعذب المخطئ في اجتهاده. وقيل: هو كون أهل بدر مغفورا لهم. وقيل:
هو حلّ المغانم.
وللرازي مناقشة في هذه الأقوال. واختار أن (الكتاب) هو حكمه في الأزل بالعفو عن هذه الواقعة، لأنه كتب على نفسه الرحمة، وسبقت رحمته غضبه.
أقول: لعل الأمسّ في تهويل ما اكتسبوه، تفسير (الكتاب) بما في قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال: ٣٣] . والله أعلم.
[تنبيهات:]
الأول- قال الرازي: قال ابن عباس: هذا الحاكم إنما كان يوم بدر، لأن المسلمين كانوا قليلين. فلما كثروا وقوي سلطانهم، أنزل الله بعد ذلك في الأسارى حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها [محمد: ٤] .
وأقول: هذا الكلام يوهم أن قوله فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً يريد حكم الآية التي نحن في تفسيرها. وليس الأمر كذلك، لأن الآيتين متوافقتان، فإن كلتيهما تدلّ على أنه لا بد من تقديم الإثخان، ثم بعده أخذ الفداء. انتهى.
وقال بعضهم: لا تظهر دعوى النسخ من أصلها، إذ النهي الضمني، كما هنا، مقيد ومغيّا بالإثخان. أي كثرة القتال اللازمة لها قوة الإسلام وعزته. وما في سورة القتال من التخيير، محله بعد ظهور شوكة الإسلام بكثرة القتال، فلا تعارض بين الآيتين، إذ ما هناك بيان للغاية التي هنا. نقله في (الفتح) .
الثاني- قال القاضي: في الآية دليل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجتهدون، وأنه قد يكون خطأ، ولكن لا يقرّون عليه.
الثالث- قال ابن كثير: وقد استمرّ الحكم في الأسرى عند جمهور العلماء أن الإمام مخيّر فيهم، إن شاء قتل، كما فعل ببني قريظة، وإن شاء فادى بمال، كما فعل بأسرى بدر، وبمن أسر من المسلمين، كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في تلك الجارية وابنتها اللتين كانتا في سبي سلمة بن الأكوع، حيث ردهما وأخذ في مقابلتهما من المسلمين الذين كانوا عند المشركين.