قال ابن جرير: أي على كل دين سواه. وذلك عند نزول عيسى بن مريم، وحين تصير الملة واحدة، فلا يكون دين غير الإسلام.
وقال الزمخشري: أي ليعليه على جميع الأديان المخالفة له، ولعمري لقد فعل، فما بقي دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام، وتقدم في آخر سورة الفتح في مثل هذه الآية تحقيق آخر، فليراجع.
وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ أي لما فيه من محض التوحيد، وإبطال الشرك.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الصف (٦١) : الآيات ١٠ الى ١٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أي إيمانا يقينيا لا يشوبه أدنى شك وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي من أهل العلم. أو أنه خير. فإن قيل: إن ذلك خير بنفسه علموا أولا، وأيضا أن علمهم محقق، إذ الخطاب مع المؤمنين. فالجواب ما قاله الناصر: أن الشرط ليس على حقيقته، بل هو من وادي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: ٢٧٨] .
والمقصود بهذا الشرط التنبيه على المعنى الذي يقتضي الامتثال، وإلهاب الحمية للطاعة، كما تقول لمن تأمره بالانتصاف من عدوه: إن كنت حرّا فانتصر. تريد أن تثير منه حمية الانتصار لا غير. انتهى. وقوله تعالى: يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر. أو لشرط أو استفهام، دل عليه الكلام تقديره: إن تؤمنوا وتجاهدوا. أو هل تقبلون أن أدلكم. يغفر لكم وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ أي بساتين إقامة لا ظعن عنها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أي النجاء العظيم من نكال الآخرة وأهوالها، وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ أي عاجل. وهو فتح مكة. وهذا يدلّ، على أن السورة نزلت قبل فتح مكة بقليل. وكان القصد منها تشجيع المؤمنين على قتال محاربيهم، والثبات أمامهم، والتحذير عن الزيغ عن ذلك، والترغيب في السخاوة ببذل الأنفس والأموال، في سبيل الحق، لإعلاء شأنه، وإزهاق الباطل.