يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا أي تستعلموا وتستكشفوا الحال. هل يراد دخولكم أم لا؟ من (الاستئناس) وهو الاستعلام. من (آنس الشيء) إذا أبصره ظاهرا مكشوفا. أو المعنى: حتى يؤذن لكم فتستأنسوا. من (الاستئناس) الذي هو خلاف الاستيحاش. لما أن المستأذن مستوحش من خفاء الحال عليه، فيكون عبر بالشيء عما هو لازم له، مجازا أو استعارة. وجوّز أن يكون من (الإنس) والمعنى: حتى تعلموا هل فيها إنسان؟. وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها أي ليؤمنهم عما يوحشهم ذلِكُمْ أي الاستئذان والتسليم خَيْرٌ لَكُمْ أي من الدخول بغتة لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي فتتعظوا وتعملوا بموجبه فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً أي من الآذنين فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ أي واصبروا حتى تجدوا من يأذن لكم. ويحتمل: فإن لم تجدوا فيها أحدا من أهلها، ولكم فيها حاجة، فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها.
قال الزمخشري: وذلك لأن الاستئذان لم يشرع لئلا يطلع الداخل على عورة، ولا تسبق عينه إلى ما لا يحل النظر إليه فقط، وإنما شرع لئلا يوقف على الأحوال التي يطويها الناس في العادة عن غيرهم، ويتحفظون من اطلاع أحد عليها، ولأنه تصرف في ملك غيرك. فلا بد من أن يكون برضاه، وإلا أشبه الغصب والتغلب. انتهى.
وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا أي إن أمرتم من جهة أهل البيت بالرجوع، سواء كان الأمر ممن يملك الإذن أو لا، كالنساء والولدان، فارجعوا ولا تلحوا بتكرير الاستئذان، لأن هذا مما يجلب الكراهة في قلوب الناس، ولذا قال تعالى: هُوَ أي الرجوع أَزْكى لَكُمْ أي أطهر مما لا يخلو عنه الإلحاح والوقوف على الأبواب، من دنس الدناءة. وأنمى لمحبتكم.