للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ [طه: ٨٣] ، فكأنه سهل أمر هذه العجلة بكونهم على أثره. فكيف لو كان متقدما وهم في عقبه لا يتخلل بينهم وبينه مسافة، فذاك لو اتفق، لكان سياق الآية يوجب أنه لا يعد عجلة ولا سبقا. فحينئذ يكون القول بسبقية النهار لليل، مخالفا صدر الآية على وجه لا يقبل التأويل. فإن بين عدم الإدراك الدال على التأخير والتبعية، وبين السبق بونا بعيدا، ومخالفا أيضا لبقية الآية.

فإنه لو كان الليل تابعا ومتأخرا، لكان أحرى أن يوصف بعدم الإدراك، ولا يبلغ به عدم السبق. ويكون القول بتقديم الليل على النهار مطابقا لصدر الآية صريحا، ولعجزها بوجه من التأويل مناسب لنظم القرآن. وثبوت ضده أقرب إلى الحق من حبل وريده، والله الموفق للصواب من القول وتسديده. انتهى.

وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ أي كل مما ذكر يجرون في مدار عظيم كالسابح في الماء. وتقدم لنا في سورة الأنبياء، ما قاله بعض علماء الفلك في مثل هذه الآية.

فراجعه.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يس (٣٦) : آية ٤١]]

وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١)

وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أي حملنا أولادهم الذين يرسلونهم في تجارتهم. قال الشهاب: ولا يخفى مناسبته لقوله قبله: فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وذكر (المشحون) أقوى في الامتنان بسلامتهم فيه، أو لأنه أبعد عن الخطر، وقيل المراد فلك نوح عليه السلام. فهو مفرد، وتعريفه للعهد. والمعنى حمل آبائهم الأقدمين الذين بهم حفظ بقاء النوع لما عمّ الطوفان، ونجوا مع نوح في السفينة. وإنما كان آية، لأن بقاء نسلهم ونجاتهم بسفينة واحدة، صنع عجيب ومقدور كبير. وآثر البعض الوجه الأول، لأن الثاني محتاج للتأويل. وأرى جدارة الثاني بالإيثار لقاعدة الحمل على الأشباه والنظائر، ما وجد له سبيل. لأنه أقرب وأسدّ. وقد جاء نظيره آية: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ [الحاقة: ١١- ١٢] . وإن ورد في نظير الأول آية وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ [الرحمن: ٢٤] ، وأشباهها، إلا أن لفظ الحمل اتحد في الآيتين، فقارب ما بينهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>