نعم: إنّ الاشتغال بلغة الأمة وآدابها فضيلة في نفسه، ومدّة من موادّ حياتها، ولا حياة لأمة ماتت لغتها. ولكن لم يكن هذا وحده هو الحامل لسلف الأمة على حفظ اللغة بمفرداتها وأساليبها وآدابها، وإنّما الحامل لهم على ذلك ما ذكرنا.
ألّف العلّامة الأسفراييني كتابا في الفرق، ختمه بذكر أهل السنّة ومزاياهم، وعدّ من فضائلهم- التي امتازوا بها على سائر الفرق- التبريز في اللغة وآدابها، وبيّن ذلك بأجلى بيان. فزين هذه المزايا؟ وأين آثارها في فهم القرآن؟ بل وفهم ما دونه من الكلام البليغ ... ؟
وقد بينّا وجه الحاجة في التفسير إلى تحصيل ملكة الذوق العربيّ، وإلى غير ذلك من الأمور التي يتوقف عليها القرآن» انتهى.
[فصل في بيان دقائق المسائل العلمية الفلكية الواردة في القرآن الكريم]
قال بعض علماء الفلك ما مثاله: إنّ القرآن الكريم قد أتى في هذا الباب بمسائل علمية دقيقة لم تكن معروفة في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم. وهذه المسائل تعتبر من معجزات القرآن العلمية الخالدة. وهاكها ملخصة:
المسألة الأولى-: الأرض كوكب كباقي الكواكب السيارة اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق: ١٢] ، وهما من مادة واحدة كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما [الأنبياء: ٣٠] . وهي تدور حول الشمس وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل: ٨٨] .
المسألة الثانية: السيارات الأخرى مسكونة بالحيوانات وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ [الشورى: ٢٩] ، تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ [الإسراء: ٤٤] يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الرحمن: ٢٩] ، ومجموع هذه الآيات يدلّ على أنّ في السموات حيوانات عاقلة كالإنسان، لا كما كان يزعم القدماء: أنّ الكواكب كلها أجرام فارغة خلقت ليتلذذ بمنظرها الإنسان ... !
المسألة الثالثة: ليس القمر خاصا بالأرض، بل للسيارات الأخرى أقمار وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً [نوح: ١٦] فالألف واللام في الْقَمَرَ للجنس لا للعهد، كما