وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأنعام: ٧] ، أي فمثل هؤلاء أقل من أن يجابوا لمقترحهم، لفرط عنادهم.
ولا يخفى أن القرآن الكريم لما قام به الدليل القاهر على صدق نبوته، عليه السّلام، لإعجازه، كان طلب آية أخرى سواه من مقترحهم- مما لا حاجة له في صحة نبوته، وتقرير رسالته. فمثلها يكون مفوضا إلى مشيئته تعالى، فتردّ إلى غيبه، وسواء أنزلت أو لا، فقد ثبتت نبوته، وضحت رسالته، صلوات الله عليه.
ثم أكد تعالى ما هم عليه من العناد واللجاج مشيرا إلى أنهم لا يذعنون ولو أجيبوا لمقترحهم، بما يعهد منهم من عدولهم عنه تعالى بعد كشفهم ضرهم، إلى الإشراك بقوله:
وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ أي خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا أي يتبين مكرهم ويظهر كامن شركهم، فهم في وقت الضراء في الإقبال عليه تعالى لكشفها، كالمخادع الذي يظهر خلاف ما يبطن، ثم ينجلي أمره بعد: قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً أي عقوبة، أي عذابه أسرع وصولا إليكم مما يأتي منكم في دفع الحق. وتسمية العقوبة بالمكر، لوقوعها في مقابلة مكرهم وجودا أو ذكرا. إِنَّ رُسُلَنا أي الذي يحفظون أعمالكم يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ أي مكركم، أو ما تمكرونه. وهو تحقيق للانتقام، وتنبيه على أن ما دبروا في إخفائه غير خاف على الحفظة فضلا عن العليم الخبير.
ثم بين تعالى نوعا من أنواع مكرهم في آية إنجائهم من لجج البحر بقوله: