للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القبر به، وعلى الثاني فالباء سببية والمعنى: آمنوا بالتوحيد الخالص فوحدوه ونزهوه عمّا لا يليق بجنابه. و (في الحياة) متعلق ب (يثبت أو بالثابت) كما قاله أبو البقاء.

واقتصر الزمخشري وأتباعه على الأول حيث قال:

القول الثابت الذي ثبت بالحجة والبرهان في قلب صاحبه وتمكن فيه فاعتقده واطمأنت إليه نفسه. وتثبيتهم به في الدنيا، أنهم إذا فتنوا في دينهم لم يزلّوا. كما ثبت أصحاب الأخدود والذين نشروا بالمناشير ومشطت لحومهم بأمشاط الحديد وتثبيتهم في الآخرة أنهم إذا سئلوا عند تواقف الأشهاد عن معتقدهم ودينهم لم يتلعثموا ولم يبهتوا ولم تحيّرهم أهوال الحشر. وقيل: معناه الثبات عند سؤال القبر.

فعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» قال: فذلك قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ.. رواه الشيخان «١» وأهل السنن.

وعليه، فتفسير الآخرة بالقبر، لكون الميت انقطع بالموت عن أحكام الدنيا.

وقال في أصحاب المثل الثاني:

وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ أي: يخلق فيهم الضلال عن الحق الذي ثبّت المؤمنين عليه حسب إرادتهم واختيارهم، ووصفهم بالظلم لوضعهم الشيء في غير موضعه، أو لظلمهم أنفسهم حيث بدلوا فطرة الله التي فطر الناس عليها وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ أي: من التثبيت والإضلال حسبما تقتضيه حكمته البالغة.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٨ الى ٣٠]

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً يعني كفار مكة، أتتهم نعمة الله وهو التوحيد والإيمان والهداية ببعثة رسول من أنفسهم، فبدلوا شكرها كفرا عظيما وغمصا لها وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ أي: ممن أضلوه وصدوه عن الهدى فتابعهم


(١) أخرجه البخاريّ في: التفسير ١٤- سورة إبراهيم، ٢- باب يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ، حديث ٧٢٥.
وأخرجه مسلم في: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث رقم ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>