للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ أي هلّا أنزل عليه ما اقترحنا من الكنز والملائكة، زعما أن الرسول متبوع، لا بد له من الإنفاق على أتباعه، ولا يتأتى مع عدم سلطنته إلا بإلقاء الكنز عليه، أو مجيء ملك معه يصدق برسالته، فقال تعالى:

إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ أي ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي إليك، غير مبال بما صدر منهم من الاقتراح وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ أي فيحفظ ما يقولون ويجازيهم عليه، فكل أمرك إليه، وبلغ وحيه بقلب منشرح، غير مبال بهم.

[لطائف:]

الأولى- قال القاشانيّ: لما لم يقبلوا كلامه صلى الله عليه وسلم بالإرادة، وأنكروا قوله بالاقتراحات الفاسدة، وقوله بالعناد والاستهزاء، ضاق صدره، ولم ينبسط للكلام، إذ الإرادة تجذب الكلام، وقبول المستمع يزيد نشاط المتكلم، ويوجب بسطه فيه، وإذا لم يجد المتكلم محلّا قابلا لم يتسهل له، وبقي كربا عنده، فشجعه الله تعالى بذلك، وهيّج قوته ونشاطه بقوله: إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ، فلا يخلو إنذارك من إحدى الفائدتين: إما رفع الحجاب بأن ينجع فيمن وفقه الله تعالى لذلك، وإما إلزام الحجة لمن لم يوفق لذلك، ثم كل الهداية إليه.

الثانية- لا يخفى أن (لعل) للترجي، وهو، وإن اقتضى التوقع، إلا أنه لا يلزم من توقع الشيء وقوعه، ولا ترجح وقوعه، لوجود ما يمنع منه. وتوقع ما لا يقع منه، المقصود تحريضه على تركه، وتهييج داعيته.

وقيل: (لعل) هنا للتبعيد لا للترجي، فإنها تستعمل كذلك، كما تقول العرب: لعلك تفعل كذا، لمن لا يقدر عليه. فالمعنى: لا تترك.

وقيل: إنها للاستفهام الإنكاريّ كما في

الحديث «١» : لعلنا أعجلناك.

وقيل: هي لتوقع الكفار. فكما تكون لتوقع المتكلم، وهو الأصل، لأن معاني الإنشاءات قائمة به- تكون لتوقع المخاطب أو غيره، ممن له ملابسة بمعناه كما هنا. فالمعنى: إنك بلغت الجهد في تبليغهم أنهم يتوقعون منك ترك التبليغ لبعضه- كذا في العناية-.


(١) أخرجه البخاري في: الوضوء، ٣٤- باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، حديث ١٤٤- عن أبي سعيد الخدري.

<<  <  ج: ص:  >  >>