أي نبيهم موسى عليه السلام وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ أي: من التوراة مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ إذ الإيمان بالله يمنع من تولّي من يعبد غيره وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ خارجون عن دينهم، أو متمردون في نفاقهم. يعني: أن موالاتهم للمشركين كفى بها دليلا على نفاقهم، وإن إيمانهم ليس بإيمان، لأن تحريم ذلك متأكد في التوراة وفي شرع موسى عليه السلام. فلما فعلوا ذلك ظهر أنه ليس مرادهم تقرير دين موسى عليه السلام، بل مرادهم الرياسة والجاه، فيسعون في تحصيله بأي طريق قدروا عليه، فلهذا وصفهم تعالى بالفسق.
وفي الآية وجه آخر: وهو أن يكون المعنى: ولو كانوا- أي منافقوا أهل الكتاب المدّعون للإيمان- يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن حق الإيمان، ما ارتكبوا ما ارتكبوه، من موالاة الكافرين في الباطن.
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وإنما عاداهم اليهود لإيمانهم بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وعاداهم المشركون لتوحيدهم وإقرارهم بنبوة الأنبياء- أشار إليه المهايميّ.
وقال غيره: لشدة إبائهم، وتضاعف كفرهم، وانهماكهم في اتباع الهوى، وركونهم إلى التقليد، وبعدهم عن التحقيق، وتمرنهم على التمرد والاستعصاء على الأنبياء، والاجتراء على تكذيبهم، ومناصبتهم لهم. ولهذا قتلوا كثيرا منهم حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة، وسموه، وسحروه، وألّبوا عليه أشباههم من المشركين. وفي تقديم (اليهود) على (المشركين) ، بعد لزّهما في قرن واحد، إشعار بتقدمهم عليهم في العداوة، كما أن في تقديمهم عليهم في قوله تعالى: