وروى أئمة السير أنه لما كان عام خيبر، جاء عيينة بن بدر يطلب بدم عامر وهو سيد قيس. وكان الأقرع بن حابس يردّ عن محلّم وهو سيد خندف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوم عامر: هل لكم أن تأخذوا منا الآن خمسين بعيرا، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة؟ فقال عيينة بن بدر: والله! لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحرّ مثل ما أذاق نسائي. فلم يزل به حتى رضي بالدية.
قال ابن إسحاق: حدثني سالم بن النضر قال: لم يقبلوا الدية حتى قام الأقرع بن حابس فخلا بهم. فقال: يا معشر قيس! سألكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلا تتركونه ليصلح به بين الناس فمنعتموه إياه. أفأمنتم أن يغضب عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيغضب عليكم الله لغضبه؟ أو يلعنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلعنكم الله بلعنته؟ والله! لتسلمنّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لآتين بخمسين من بني تميم كلهم يشهدون أن القتيل ما صلى قط. فلأبطلن دمه. فلما قال ذلك أخذوا الدية.
وأخرج ابن مندة عن جزء بن الحدرجان قال: وفد أخي، قداد إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم من اليمن. فلقيته سرية النبيّ صلى الله عليه وسلم. فقال لهم: أنا مؤمن. فلم يقبلوا منه وقتلوه. فبلغني ذلك. فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ ... الآية.
فأعطاني النبيّ صلى الله عليه وسلم دية أخي.
قال القفال: ولا منافاة بين هذه الروايات. فلعلها نزلت عند وقوعها بأسرها.
فكان كل فريق يظن أنها نزلت في واقعته. انتهى.
وتقدم لنا في مقدمة التفسير في سبب النزول ما يدفع التنافي في نحو هذا.
فارجع إليه.
[تنبيه:]
قال الرازيّ: اعلم أن المقصود من هذه الآية المبالغة في تحريم قتل المؤمنين، وأمر المجاهدين بالتثبت فيه، لئلا يسفكوا دما حراما بتأويل ضعيف. وفي (الإكليل) : استدل بظاهرها على قبول توبة الزنديق إذا أظهر الاستسلام. وعلى أن الكافر يحكم له بالإسلام إذا أظهر ما ينافي اعتقاده، على قراءة (السلام) وفي الآية وجوب التثبت في الأمور، خصوصا القتل ووجوب الدعوة قبل القتال. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : في الآية دليل على أن من أظهر شيئا من علامات الإسلام لم يحلّ دمه حتى يختبر أمره. لأن السلام تحية المسلمين. وكان