للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السيوطيّ في (الإكليل) : في الآية وجوب المعروف من توفية المهر والنفقة والقسم واللين في القول وترك الضرب والإغلاظ بلا ذنب. واستدل بعمومها من أوجب لها الخدمة إذا كانت ممن لا تخدم نفسها فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ يعني كرهتم الصحبة معهن فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً أي ولعله يجعل فيهن ذلك بأن يرزقكم منهن ولدا صالحا يكون فيه خير كثير. وبأن ينيلكم الثواب الجزيل في العقبى بالإنفاق عليهن والإحسان إليهن، على خلاف الطبع. وفي (الإكليل) قال الكيا الهراسيّ: في هذه الآية استحباب الإمساك بالمعروف وإن كان على خلاف هوى النفس. وفيها دليل على أن الطلاق مكروه.

وقد روى مسلم «١» في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يفرك مؤمن مؤمنة. إن كره منها خلقا رضي منها آخر.

(يفرك) بفتح الياء والراء، معناه بغض.

[لطيفة:]

قال أبو السعود: ذكر الفعل الأول مع الاستغناء عنه، وانحصار العلّية في الثاني، للتوسل إلى تعميم مفعوله- ليفيد أن ترتيب الخير الكثير من الله تعالى ليس مخصوصا بمكروه دون مكروه. بل هو سنة إلهية جارية على الإطلاق، حسب اقتضاء الحكمة. وإن ما نحن فيه مادة من موادها. وفيه من المبالغة في الحمل على ترك المفارقة وتعميم الإرشاد، ما لا يخفى.

[تنبيه جليل في الوصية بالنساء والإحسان إليهن:]

كفى في هذا الباب هذه الآية الجليلة الجامعة. وهي قوله تعالى: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. قال ابن كثير: أي طيبوا أقوالكم لهن. وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم. كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله. كما قال تعالى:

وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ [البقرة: ٢٢٨] .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذيّ عن عائشة، وابن ماجة «٢» عن ابن عباس، والطبرانيّ عن معاوية.

وقال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم للنساء. رواه الحاكم عن ابن عباس.

وقال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. ما أكرم النساء إلا


(١) أخرجه في: الرضاع، حديث ٦١.
(٢) أخرجه ابن ماجة في: النكاح، ١١- باب حسن معاشرة النساء، حديث ١٩٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>