إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ قال الزمخشريّ: أي أتوهم من كل جانب، واجتهدوا بهم، وأعملوا فيهم كل حيلة، فلم يروا منهم إلا العتوّ والإعراض كما حكى الله تعالى عن الشيطان لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ [الأعراف: ١٧] ، يعني لآتينهم من كل جهة. ولأعلمن فيهم كل حيلة، وتقول (استدرت بفلان من كل جانب، فلم يكن لي فيه حيلة) . وحاصله جعل الجهتين كناية عن جميع الجهات، علي ما عرف في مثله. والمراد بإتيانهم من جميع الجهات، بذل الوسع في دعوتهم على طريق الكناية. ويحتمل أن المعنى: جاءوهم بالوعظ من جهة الزمن الماضي وما جرى فيه على الكفار، ومن جهه المستقبل وما سيجري عليهم. فالمراد بما بين أيديهم الزمن الماضي، وبما خلفهم المستقبل.
ويجوز فيه العكس، كما ذكر في آية الكرسيّ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا أي إرسال رسول لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً أي من السماء بما تدعوننا إليه فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ أي من عبادة الله وحده كافِرُونَ فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أي حتى نخاف عذابه، لو تركنا عبادته، أو عبدنا معه غيره أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً أي فيجب أن يحذر عقابه ويتقى عذابه وَكانُوا بِآياتِنا أي التي هي أقوى الدلائل يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ أي لعتوّهم بالقوة رِيحاً صَرْصَراً أي شديدة الصوت في هبوبها فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ أي مشؤومات عليهم لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ أى في الأخرى. كما لم ينصروا في الدنيا.