قال التوربشتي: الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا، والتفريق من الاصطلاحات التي سنها الشارع للفصل بين الحق والباطل، كأنه كره أن يسمى ما كان من الله، وما كان من الشيطان باسم واحد، فجعل الرؤيا عبارة عن الصالح منها، لما في الرؤيا من الدلالة على المشاهدة بالبصر أو البصيرة، وجعل الحلم عبارة عما كان من الشيطان، لأن أصل الكلمة لم يستعمل إلا فيما يخيل للحالم في منامه من قضاء الشهوة، مما لا حقيقة له. انتهى.
والمراد بالجمع في (الأحلام) ما فوق الواحد، لأنهما حلمان، رأى كل واحد منهما إثر استيقاظه منه، كما روي، وفهم بعضهم أنه حلم واحد، فالتمس للجمع نكتة فقال: إما المبالغة في وصفه بالبطلان، أو تضمنه أشياء مختلفة. ولا حاجة إليه، كما بينا.
وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ يحتمل أن يريدوا ب (الأحلام) المنامات الباطلة خاصة. أي: ليس لها تأويل عندنا، وإنما التأويل للرؤيا الصادقة. وأن يعترفوا بقصور علمهم، وأنهم ليسوا في التعبير بنحارير.
قال الناصر: وهذا هو الظاهر. وحمل الكلام على الأول يصيّره من وادي:
على لا حب لا يهتدى بمناره
كأنهم قالوا: ولا تأويل للأحلام الباطلة، فنكون به عالمين. وقول الملك لهم أولا: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ دليل على أنهم لم يكونوا في علمه عالمين بها، لأنه أتى بكلمة الشك، وجاء اعترافهم بالقصور مطابقا لشك الملك الذي أخرجه مخرج استفهام عن كونهم عالمين بالرؤيا أو لا، وقول الفتى: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ إلى قوله: لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ دليل أيضا على ذلك- والله أعلم-.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ٤٥]]
وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما أي من صاحبي السجن، وهو الساقي: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أي تذكر بعد مدة. وكان تذكره، على ما روي، بعد سنتين أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ أي أخبركم به بالتلقي عمن عنده علمه، لا من تلقاء نفسي، ولذلك لم يقل: أنا أفتيكم فيها، وعقبه بقوله فَأَرْسِلُونِ أي فابعثوني إلى يوسف، وإنما لم