قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا أي عن الإيمان بعد ظهور آية الناقة والكلمات الناصحة مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أي استضعفهم رؤساء الكفار واستذلوهم، إذ لم يكن لهم استكبار يمنعهم من الانقياد لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بدل من (الّذين استضعفوا) بإعادة الجار، بدل الكل، إن كان الضمير لقومه، فيدل على أن استضعافهم كان مقصورا على المؤمنين. وبدل البعض إن كان الضمير لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فيدل على أن المستضعفين كانوا مؤمنين وكافرين. قال أبو السعود:
والأول هو الوجه، إذ لا داعي إلى توجيه الخطاب أولا إلى جميع المستضعفين، مع أن المجاوبة مع المؤمنين منهم. على أن الاستضعاف مختص بالمؤمنين، أي قالوا للمؤمنين الذين استضعفوهم واسترذلوهم أَتَعْلَمُونَ أي من آية الناقة ومن الكلمات الناصحة أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ إليكم لعبادته تعالى وحده لا شريك له.
وهذا قالوه على سبيل السخرية والاستهزاء، لأنهم يعلمون بأنهم عالمون بذلك، ولذلك لم يجيبوهم على مقتضى الظاهر، بل عدلوا منه، كما قال تعالى:
قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ عدلوا عن الجواب الموافق لسؤالهم بأن يقولوا (نعم) أو (إنه مرسل منه تعالى) ، مسارعة إلى تحقيق الحق، وإظهار ما لهم من الإيمان الثابت المستمر الذي تنبئ عنه الجملة الاسمية، وتنبيها على أن أمر إرساله من الظهور بحيث لا ينبغي أن يسأل عنه، وإنما الحقيق بالسؤال عنه هو الإيمان به. أفاده أبو السعود.
فهذا من الأسلوب الحكيم، وهو تلقّي السائل والمخاطب بخلاف ما يترقب،