[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : آية ١٢]]
يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢)
يا يَحْيى استئناف، طوى قبله جمل كثيرة، مسارعة إلى الإنباء بإنجاز الوعد الكريم. وهو وجود هذا الغلام المبشّر به، وتعليمه التوراة التي كانوا يتدارسونها بينهم، ويحكم بها النّبيّون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار، وقد كان سنه إذ ذاك صغيرا. فلهذا نوه بذكره، وبما أنعم عليه وعلى والديه. أي: قلنا (يا يحيى) خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ أي تعلم التوراة بجدّ وحرص واجتهاد. وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا أي الحكمة وفهم التوراة والعلم والاجتهاد في الخير، وهو صبيّ، وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : الآيات ١٣ الى ١٤]
وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤)
وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا أي وآتيناه حنانا: وهو التحنن والتعطف والشفقة. وتنوينه للتفخيم. أي رحمة عظيمة يشفق بها على الخلق. أو حنانا من الله عليه وَزَكاةً أي طهارة من الذنوب، وعصمة بليغة منها وَكانَ تَقِيًّا وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا أي متكبرا عاقّا لهما، أو عاصيا لربه.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : آية ١٥]]
وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)
وَسَلامٌ عَلَيْهِ
أي من الله يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا
أي ليستقبل النعيم الأبديّ. و (السلام) بمعنى السلامة والأمان من الآفات. وفيه معنى التحية والتشريف. وفي ذكر الأحوال الثلاث، زيادة في العناية به، صلوات الله وسلامه عليه.
وقوله تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : آية ١٦]]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ
أي القرآن مَرْيَمَ
أي نبأها إِذِ انْتَبَذَتْ
أي اعتزلت وانفردت مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا
أي شرقيّ بيت المقدس. لئلا يشغلوها عن العبادة.