مخصوصة. فكما جاز تحركه بها، جاز تحرك غيره بمثلها. والله قادر على الممكنات. والوجه الآخر، أنهم لا يتكلمون بشيء، لانقطاع أعذارهم وانهتاك أستارهم. فيقفون ناكسي الرؤوس وقوف القنوط اليؤوس، لا يجد عذرا فيعتذر، ولا مجال توبة فيستغفر، وتكلم الأيدي ظهور الأمور بحيث لا يسع معه الإنكار، حتى تنطق به الأيدي والأبصار. كما يقول القائل (الحيطان تبكي على صاحب الدار) إشارة إلى ظهور الحزن، والأول الصحيح. انتهى. أي لإمكانه وعدم استحالته، فلا تتعذر الحقيقة. ويؤيده آية وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت: ٢١] .
ومن لطائف بعض أدباء العصر ما نظمه في الفونغراف، مستشهدا به في ذلك، فقال:
ينطق الفونغراف لنا دليل ... على نطق الجوارح والجماد
وفيه لكل ذي نظر مثال ... على بدء الخليفة والمعاد
يدير شؤونه فرد بصور ... به الأصوات تجري كالمداد
فيثبت رسمها قلم بلوح ... على وفق المشيئة والمراد
وبعد فراغها تمضي كبرق ... ولا أثر لها في الكون بادي
تظن بأنها ذهبت جفاء ... كما ذهبت بريح قوم عاد
وأحلى رنّها فيه لتبقى ... كأرواح تجرد عن موادّ
متى شاء المدير لها معادا ... ورام ظهورها في كل ناد
يدير الصور بالآلات قسرا ... فينشر ميتها بعد الرقاد
وهذي آلة من صنع عبد ... فكيف بصنع خلّاق العباد؟
تبارك من يعيد الخلق طرّا ... بنفخة صوره يوم التناد.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يس (٣٦) : آية ٦٦]]
وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦)
وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ أي لو شاء تعالى، لمسح أعينهم. فلو راموا أن يستبقوا إلى الطريق المسلوك لهم لم يقدروا، لعماهم.