[التكوير: ٦] ، قال ابن جرير: والأول أولى. أعني: أن معناه البحر المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض، لأن الأغلب معاني (السّجر) الإيقاد أو الامتلاء. فإذا كان البحر غير موقد اليوم، ثبتت له الصفة الثانية وهو الامتلاء، لأنه كل وقت ممتلئ. ولا تنس ما قدمنا في أوائل (الذّاريات) من أن هذه الأقسام كلها دلائل أخرجت في صورة الأيمان.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الطور (٥٢) : الآيات ٧ الى ١٦]
الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦)
إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ أي يدفعه عن المكذبين فينقذهم منه إذا وقع. يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً أي تضطرب وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً أي تسير عن وجه الأرض فتصير هباء منثورا فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أي بالحق الجاحدين له الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ أي من الاعتساف والاستهزاء يَلْعَبُونَ أي بآيات الله ودلائله يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا أي يدفعون إليها بعنف. يقال: دععت في قفاه، إذا دفعته فيه بإزعاج هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ أي يقال لهم ذلك أَفَسِحْرٌ هذا أي الذي وردتموه الآن. والفاء للسببية، لتسبب هذا عما قالوه في الوحي أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ أي كما كنتم لا تبصرون في الدنيا. قال الزمخشريّ: يعني أم أنتم عمي عن المخبر عنه، كما كنتم عميا عن الخبر. وهذا تقريع وتهكم. اصْلَوْها أي:
ذوقوا حرّ هذه النار فَاصْبِرُوا أي على ألمها أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ أي الأمران. الصبر وعدمه سواء عليكم إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي لا تعاقبون إلا على معصيتكم في الدنيا لربكم، وكفركم به.
قال الزمخشريّ: فإن قلت: لم علل استواء الصبر وعدمه بقوله: إِنَّما تُجْزَوْنَ إلخ؟ قلت لأن الصبر إنما يكون له مزية على الجزع، لنفعه في العاقبة بأن يجازى عليه الصابر جزاء الخير. فأما الصبر على العذاب الذي هو الجزاء، ولا عاقبة له ولا منفعة، فلا مزية له على الجزع.