من كل معنى، هو كالمثل في غرابته وحسنه، ليتقرر ويرسخ في نفوسهم، ويزدادوا تدبرا وإذعانا. فكان حالهم على العكس، إذ لم يزدادوا إلا كفرا، كما قال سبحانه:
فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً أي جحودا.
ولما تبين إعجاز القرآن، وأنه الآية الكبرى، ولزمتهم الحجة وغلبوا، أخذوا يتعللون باقتراح الآيات، فعل المبهوت المحجوج المتعثر في أذيال الحيرة، فيما حكاه تعالى عنهم بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٠ الى ٩٣]
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أي تشقق لنا من أرض مكة عيونا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ أي بستان منهما فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً وإنما قدموا في عنتهم هذا المقترح، لأنهم كانوا يردون بلاد الشام والعراق، ويرون ما فيها من البساتين والأنهار.
قال ابن جرير فيما رواه، إنهم قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: لقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق منا بلادا. ولا أقل مالا. ولا أشد عيشا منا. فاسأل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به، فليسيّر عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا.
وليفجر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق. ثم زادوا في الاقتراح فقالوا: أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أي قطعا بالعذاب أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا أي كفيلا بما تقول، شاهدا بصحته أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أي ذهب: أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ، وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ أي وحده حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ أي كتابا من السّماء، فيه تصديقك قُلْ سُبْحانَ رَبِّي أي تنزيها له. والمراد به التعجب من اقتراحاتهم هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا أي كسائر الرسل. وكانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم من الآيات، حسبما يلائم حال قومهم. ولم يمكن أمر الآيات إليهم، ولا لهم أن يتحكموا على الله بشيء منها.