للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى أحمد «١» من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمّى يثرب، ولقوا منها سوءا، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب، ولقوا منها شرا، وجلس المشركون من الناحية التي تلي الحجر، فأطلع الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم على ما قالوا، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، ليرى المشركون جلدهم. قال، فرملوا ثلاثة أشواط، وأمرهم أن يمشوا بين الركنين، حيث لا يراهم المشركون.

وفي رواية: ولم يمنع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم.

وفي ابن كثير زيادة من الأحاديث في هذا الباب، فليراجعها من أحب الزيادة.

وقوله تعالى فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا أي من الخيرة والمصلحة في صرفكم عن مكة، ودخولكم إليها، عامكم ذلك.

قال ابن جرير: وذلك علمه تعالى ذكره بما بمكة من الرجال والنساء المؤمنين لم يعلمهم المؤمنون، ولو دخلوها في ذلك العام لوطئوهم بالخيل والرّجل، فأصابتهم منهم معرة بغير علم، فردهم الله عن مكة من أجل ذلك. وليدخل في رحمته من يشاء ممن يريد أن يهديه. فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ أي قبل دخولكم الذي وعدتم به في رؤيا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فَتْحاً قَرِيباً يعني الصلح الذي جرى بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين مشركي قريش، أو فتح خيبر، لتستروح إليه قلوب المؤمنين، إلى أن يتيسر الفتح الموعود. وإلى الأول ذهب الزهريّ، قال: يعني صلح الحديبية. وما فتح في الإسلام فتح كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس. فلما كانت الهدنة، وضعت الحرب وأمن الناس كلهم بعضهم بعضا، فالتقوا، فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلّم أحد بالإسلام، يعقل شيئا، إلا دخل فيه. فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام مثل من كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر. ووافقه مجاهد وإلى الثاني ذهب ابن زيد.

قال ابن جرير: والصواب أن يعم فيقال: جعل الله من دون ذلك كليهما.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفتح (٤٨) : آية ٢٨]]

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٢٨)

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى أي البيان الواضح وَدِينِ الْحَقِّ أي الإسلام.


(١) أخرجه في المسند ١/ ٣٩٥، والحديث رقم ٢٦٨٦

<<  <  ج: ص:  >  >>