للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (٥) : آية ٥١]]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ أي: لا يتخذ أحد منكم أحدا منهم وليّا، بمعنى: لا تصافوهم ولا تعاشروهم مصافاة الأحباب ومعاشرتهم.

قال المهايميّ: إذا كان تودد أهل الكتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقصد افتتانه عن بعض ما أنزل الله مع غاية كماله، فكيف حال من يتودد إليهم من المؤمنين؟ انتهى.

ووصفهم بعنوان (الإيمان) لحملهم من أول الأمر على الانزجار عما نهوا عنه.

فإن تذكير اتصافهم بضد صفات الفريقين، من أقوى الزواجر عن موالاتهما.

بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إيماء إلى علة النهي. أي: فإنهم متفقون على خلافكم، يوالي بعضهم بعضا لاتحادهم في الدين. وإجماعهم على مضادتكم. فما لمن دينه خلاف دينهم ولموالاتهم!! وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ أي: من جملتهم.

وحكمه حكمهم وإن زعم أنه مخالف لهم في الدين، فهو بدلالة الحال منهم لدلالتها على كمال الموافقة.

قال الزمخشري: وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين واعتزاله. كما

قال «١» رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تراءى ناراهما

. ومنه قول عمر رضي الله عنه لأبي موسى في كاتبه النصرانيّ لا تكرموهم إذ أهانهم الله. ولا تأمنوهم إذ خوّنهم الله. ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله. وروي أنه قال له أبو موسى: (لا قوام للبصرة إلّا به) فقال: مات النصراني والسلام. يعني: هب أنه قد مات، فما كنت تكون صانعا حينئذ، فاصنعه الساعة واستغن عنه بغيره.

إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يعني: الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفرة.

روى ابن أبي حاتم عن ابن سيرين قال: قال عبد الله بن عتبة: ليتق أحدكم أن


(١)
أخرجه أبو داود في: الجهاد، ٩٥- باب على ما يقاتل المشركون، حديث ٢٦٤٥ ونصه: عن جرير بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريّة إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود. فأسرع فيهم القتل.
قال، فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل. وقال «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين» قالوا: يا رسول الله! لم؟ قال «لا تراءى ناراهما»
. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>