من التكلم إلى الغيبة، بالإضافة إلى الاسم الجليل، إيذان بفخامة شأنها. قال أبو بكر ابن العربيّ: هذه الآية أصل في الوعظ المرقق للقلوب.
إِنَّ فِي ذلِكَ أي: في التذكير بها لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أي: يصبر على بلائه ويشكر نعماءه. فإذا سمع بما أنزل الله من البلاء على الأمم، أو أفاض عليهم من النعم، تنبّه على ما يجب عليه من الصبر والشكر. وقيل: أراد (لكلّ مؤمن) لأن الشكر والصبر عنوان المؤمن. وتقديم (الصبّار) على (الشكور) لتقدم متعلق الصبر- أعني الإيمان على متعلق الشكر- أعني النعماء- وكون الشكر عاقبة الصبر.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة إبراهيم (١٤) : آية ٦]]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦)
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ أي: يبغونكم إياه وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ أي: المولودين صغارا وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ أي: يبقونهن في الحياة وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ الإشارة إلى فعل آل فرعون.. ونسبته إليه تعالى للخلق أو الإقدار والتمكين. قيل:
كون قتل الأبناء، ابتلاء ظاهر. وأما استحياء النساء، وهن البنات أي استبقاؤهن، فلأنهم كانوا يستخدمونهن ويفرقون بينهن وبين الأزواج، أو لأن بقاءهن دون البنين رزية في نفسه كما قيل:
ومن أعظم الرّزء فيما أرى ... بقاء البنات وموت البنينا
ويجوز أن تكون الإشارة إلا الإنجاء من ذلك. و (البلاء) الابتلاء بالنعمة، وهو بلاء عظيم.
قال الزمخشري: البلاء يكون ابتلاء بالنعمة والمحنة جميعا. قال تعالى:
وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: ٣٥] ، وقال زهير:
فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
ولذا جوّز أن تكون الإشارة إلى جميع ما مرّ، الشامل للنعمة والنقمة.
[لطيفة:]
أشار أهل المعاني إلى نكتة مجيء وَيُذَبِّحُونَ هنا بالواو، وفي سورة البقرة