للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ١٤٣]]

وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٤٣)

وَكَذلِكَ أي كما هديناكم إلى قبلة هي أوسط القبل وأفضلها جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً أي عدولا، خيارا وقوله تعالى: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً تعليل للجعل المنوه به الذي تمّت المنة به عليهم. واعلم أن أصل الشهود والشهادة الحضور مع المشاهدة. إما بالبصر أو بالبصيرة. قال الرازي: الشهادة والمشاهدة والشهود هو الرؤية، يقال شاهدت كذا إذا رأيته وأبصرته، ولما كان بين الإبصار بالعين وبين المعرفة بالقلب مناسبة شديدة، لا جرم قد تسمى المعرفة التي في القلب مشاهدة وشهودا، والعارف بالشيء شاهدا ومشاهدا. ثم سميت الدلالة على الشيء شاهدا على الشيء لأنها هي التي بها صار الشاهد شاهدا. ولما كان المخبر عن الشيء والمبيّن لحاله جاريا مجرى الدليل على ذلك، سمي ذلك المخبر أيضا شاهدا. وبالجملة، فكل من عرف حال شيء وكشف عنه كان شاهدا عليه. انتهى.

والشهيد أصله الشاهد والمشاهد للشيء والمخبر عن علم حصل بمشاهدة بصر أو بصيرة. وهو، بالمعنى الثالث، من النعوت الجليلة. ولذلك وصف به النبيون والسادة والأئمة. كما ترى في هذه الآية وفي آية فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء: ٤١] وآية، وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ [البقرة: ٢٣] ، وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء: ٦٩] ، ثم إن في اللام في قوله تعالى لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وجهين (الأول) إنها لام الصيرورة والعاقبة. أي فآل الأمر بهدايتكم وجعلكم وسطا أن كنتم شهداء على الناس. وهم أهل الأديان الأخر. أي بصراء على كفرهم بآيات الله وما غيروا وبدلوا وأشركوا وألحدوا. مما قص عليكم في الآيات قبل، حتى أحطتم به خبرا. فعرفتم حق دينهم من باطله، ووحيه من مخترعه.

يعني: وإذا شهدتم ذلك منهم وأبصرتم فاشكروا مولاكم على ما أولاكم، وعافاكم مما ابتلى به سواكم، حيث وفقكم للمنهج السويّ وهداكم للمهيع الرضيّ. وذلك صار الرسول عليكم شهيدا بأنكم عرفتم الحق من الباطل والهدى من الضلال والنور

<<  <  ج: ص:  >  >>