وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً أي بجعل الصدق إفكا، والبريء عن الإعانة معينا وَزُوراً أي باطلا لا مصداق له، يعلمون من أنفسهم أنه باطل وبهتان وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها أي ما سطروه، كتبها لنفسه وأخذها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ أي تلقى عليه ليحفظها بُكْرَةً وَأَصِيلًا أي دائما.
قال ابن كثير: وهذا الكلام، لسخافته وكذبه وبهته منهم، يعلم كل أحد بطلانه. فإنه قد علم بالضرورة: أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن يعاني شيئا من الكتابة، لا في أول عمره ولا في آخره. وقد نشأ بين أظهرهم من أول مولده، إلى أن بعثه الله نحوا من أربعين سنة، وهم يعرفون مدخله ومخرجه وصدقه وبره ونزاهته وأمانته. وبعده عن الكذب والفجور وسائر الأخلاق الردية، حتى إنهم كانوا يسمونه في صغره، وإلى أن بعث با (لأمين) لما يعلمون من صدقه وبره. فلما أكرمه الله بما أكرمه به، نصبوا له العداوة، ورموه بهذه الأقوال، التي يعلم كل عاقل براءته منها.
وحاروا بما يقذفونه به، فتارة من إفكهم يقولون: ساحر. وتارة يقولون: شاعر. وتارة يقولون: مجنون. وتارة يقولون: كذاب، قال الله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا [الإسراء: ٤٨] و [الفرقان: ٩] ، وقال تعالى في جواب ما افتروه هنا.
قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي الخفيّ فيهما. إشارة إلى علمه تعالى بحالهم بالأولى. ومن مقتضاه رحمته إياهم بإنزاله، لزيادة حاجتهم وافتقار أمثالهم إلى إخراجهم من الظلمات بأنواره. وفي طيّه ترهيب لهم بأن ما يسرونه من الكيد للنبيّ عليه الصلاة والسلام، مع ما يتقولونه ويفترونه، لا يعزب عن علمه. فسيجزيهم عليه بزهوق باطلهم ومحو أثرهم، وسموق حقه وظهور أمره إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً تعليل لما هو مشاهد من تأخير عقوبتهم، مع استيجابهم إياها.
أي فهو يمهل ولا يعاجل لمغفرته ورحمته. أو الوصفان كناية عن كمال قدرته على الانتقام منهم. لأنه لا يوصف بالمغفرة والرحمة إلا القادر. هذا ما يستفاد من (الكشاف) ومن تابعه، لبيانه مطابقة ذلك لما قبله.
وقال ابن كثير: قوله تعالى إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً دعاء لهم إلى التوبة والإنابة،