بالمجاز والتأويل. والله عند لسان كل قائل. ولكن ننكر من ذلك ما خالف الحق والصواب، وما فتح به الباب، إلى هدم السنة والكتاب واللحاق بمحرّفة أهل الكتاب.
والمنصوص عن الإمام أحمد وجمهور أصحابه أن القرآن مشتمل على المجاز. ولم يعرف عن غيره من الأئمة نص في هذه المسألة. وقد ذهب طائفة من العلماء من أصحابه وغيرهم، كأبي بكر بن أبي داود، وأبي الحسن الخرزيّ، وأبي الفضل التميميّ، وابن حامد، فيما أظن، وغيرهم، إلى إنكار أن يكون في القرآن مجاز. وإنما دعاهم إلى ذلك ما رأوه من تحريف المحرفين للقرآن بدعوى المجاز. فقابلوا الضلال والفساد، بحسم الموادّ. وخيار الأمور التوسط والاقتصاد. انتهى.
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ أي أظهرت حتى رآها الخلق وعلم الكافر أن مصيره إليها. فمجيئها متجوز به عن إظهارها. كما صرح به آية وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى [النازعات: ٣٩] ، يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ
تفريطه في الدنيا في طاعة الله وفيما يقرب إليه من صالح الأعمال وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى أي منفعتها. فالمراد بتذكره ندامته على تفريطه في الصالحات من الأعمال التي تورثه نعيم الأبد، كما فسره بقوله تعالى: يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي أي أسلفت من الأعمال الصالحة لحياتي هذه. فاللام للتعليل. أو: قدمت وقت حياتي. فاللام بمعنى وقت. والحياة هي التي في الدنيا فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ أي لا يعذب كعذاب الله، أحد في الدنيا وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ أي لا يوثق كوثاقه يومئذ أحد في الدنيا. وقرئ (يعذب ويوثق) على بناء المجهول.
قال السمين: وعذاب ووثاق في الآية، واقعان موقع تعذيب وإيثاق. والمعنى لا يعذب أحد تعذيبا مثل تعذيب الله هذا الكافر. ولا يوثق أحد إيثاقا مثل إيثاق الله إياه بالسلاسل والأغلال. فالوثاق في الآية بمعنى الإيثاق. كالعطاء بمعنى الإعطاء.
ثم أشار إلى ما يقال لمن آمن وعمل صالحا، في مقابلة من تقدم، بقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفجر (٨٩) : الآيات ٢٧ الى ٣٠]
يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ أي الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن. وهي التي كان قلبها اطمأن بذكر الله وطاعته وخشيته من الاضطراب ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ