وفي الصحيحين «١» أن عمر قال: يا رسول الله! لم أصب مالا قط هو أنفس عندي من سهمي الذي هو بخيبر، فما تأمرني به؟ قال: حبس الأصل وسبل الثمرة.
وروى الحافظ أبو بكر البزار أن عبد الله بن عمر قال: حضرتني هذه الآية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ فذكرت ما أعطاني الله، فلم أجد شيئا أحب إليّ من جارية لي رومية، فقلت: هي حرة لوجه الله، فلو أني أعود في شيء جعلته لله، لنكحتها. يعني تزوجتها.
[تنبيه:]
قال القاشانيّ، في هذه الآية: كل فعل يقرب صاحبه من الله فهو بر، ولا يمكن التقرب إليه إلا بالتبرؤ عما سواه، فمن أحب شيئا فقد حجب عن الله تعالى به، وأشرك شركا خفيّا، لتعلق محبته بغير الله، كما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة: ١٦٥] ، وآثر نفسه به على الله، فقد بعد من الله بثلاثة أوجه. وهي محبة غير الحق، والشرك، وإيثار النفس على الحق فإن آثر الله به على نفسه وتصدق به وأخرجه من يده فقد زال البعد، وحصل القرب، وإلا بقي محجوبا، وإن أنفق من غيره أضعافه، فما نال برّا لعلمه تعالى بما ينفق وباحتجابه بغيره.
وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ أي فمجازيكم عليه، قليلا كان أو كثيرا، جيدا أو غيره.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ٩٣]]
كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قال الزمخشريّ: المعنى أن المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل إنزال التوراة، وتحريم ما حرم عليهم منها لظلمهم وبغيهم، لم يحرم منها شيء قبل ذلك غير المطعوم الواحد الذي حرمه أبوهم إسرائيل على نفسه، فتبعوه على تحريمه.