للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن سنان الخدريّ، والد أبي سعيد، ونشبت حلقتان من حلق المغفرة في وجهه صلى الله عليه وسلم فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح. فندرت ثنيتاه فصار أهتم. ولحق المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم. وكرّ دونه نفر من المسلمين فقتلوا كلهم وكان آخرهم عمار بن يزيد بن السكن، ثم قاتل طلحة حتى أجهض المشركون. وأبو دجانة يلي النبيّ صلى الله عليه وسلم بظهره وتقع فيه النبل فلا يتحرك، وأصيبت عين قتادة بن النعمان. فرجع وهي على وجنته.

فردها عليه السلام بيده فصحّت. وكان أحسن عينيه. وانتهى النضر بن أنس إلى جماعة من الصحابة وقد دهشوا، وقالوا: قتل رسول الله، فقال: فما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم استقبل الناس وقاتل حتى قتل، ووجد به سبعون ضربة. وجرح يومئذ عبد الرحمن بن عوف عشرين جراحة بعضها في رجله فعرج منها. وقتل حمزة عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم. ونادى الشيطان: ألا إن محمدا قد قتل. لأن عمرو بن قميئة كان قد قتل مصعب بن عمر يظن أنه النبيّ صلى الله عليه وسلم. ووهن المسلمون لصريخ الشيطان. ثم إن كعب بن مالك الشاعر، من بني سلمة، عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنادى بأعلى صوته يبشر الناس.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: انصت.

فاجتمع عليه المسلمون ونهضوا معه نحو الشعب، وأدركه أبيّ بن خلف في الشعب، فتناول صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة وطعنه بها في عنقه. فكرّ أبيّ منهزما. وقال له المشركون: ما بك من بأس. فقال: والله! لو بصق عليّ لقتلني، وكان صلى الله عليه وسلم قد توعده بالقتل. فمات عدوّ الله بسرف، مرجعهم إلى مكة. ثم جاء عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء فغسل وجهه ونهض. فاستوى على صخرة من الجبل. وحانت الصلاة فصلى بهم قعودا. وغفر الله للمنهزمين من المسلمين. ونزل: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ [آل عمران: ١٥٥] الآية واستشهد نحو من سبعين. معظمهم من الأنصار. وقتل من المشركين اثنان وعشرون. ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة. ويقال إنه

قال لعليّ: لا يصيب المشركون منا مثلها حتى يفتح الله علينا.

هذا ملخص هذه القصة. وقد ساقها بأطول من هذا أهل السير. وفيما ذكر كفاية. وأما ما اشتملت عليه من الأحكام والفقه والحكم والغايات المحمودة، فقد تكفل بيانها الإمام ابن القيّم في (زاد المعاد) فارجع إليه.

[تنبيه:]

فسر أكثر العلماء (غدوت) بأصلها، وهو الخروج غدوة أي بكرة. ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>