عرضت، والجميل منه هو ما لا شكوى فيه إلى الخلق ولا جزع، رضا بقضاء الله، ووقوفا مع مقتضى العبودية.
وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ أي المطلوب منه العون على احتمال ما تصفون من هلاك يوسف- كذا قدروه- وحقق أبو السعود أن المعنى على إظهار حال ما تصفون وبيان كونه كذبا، وإظهار سلامته، فإنه علم في الكذب قال سبحانه:
سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: ١٠٨] ، وهو الأليق بما سيجيء من قوله تعالى: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً [يوسف: ١٨ و ٨٣] ، وتفسير المستعان عليه باحتمال ما يصفون من هلاك يوسف، والصبر على الرزء فيه- يأباه تكذيبه عليه السلام لهم في ذلك، ولا تساعده الصيغة، فإنها قد غلبت في وصف الشيء بما ليس فيه، كما أشير إليه. انتهى.
وفي قوله: وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ اعتراف بأن تلبسه بالصبر لا يكون إلا بمعونته تعالى.
قال الرازي: لأن الدواعي النفسانية تدعوه إلى إظهار الجزع، وهي قوية.
والدواعي الروحانية تدعوه إلى الصبر والرضا. فكأنهما في تحارب وتجالد. فما لم تحصل إعانته تعالى، لم تحصل الغلبة فقوله: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ يجري مجرى قوله:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وقوله: وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ يجري مجرى قوله: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
انتهى.
ثم ذكر تعالى ما جرى على يوسف في الجب، بعد ما تقدم بقوله:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ١٩]]
وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩)
وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ أي الذي يرد الماء ويستقي لهم فَأَدْلى دَلْوَهُ أي أرسلها في الجب ليملأها، فتعلق بها يوسف للخروج، فلما رآه قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وقرئ (يا بشراي) بالإضافة والمنادى محذوف. أو نزلت منزلة من ينادي ويقال: إن هذه الكلمة تستعمل للتبشير من غير قصد إلى النداء.
قال الزجاج: معنى النداء في هذه الأشياء التي لا تجيب هو تنبيه المخاطبين،