للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن ذكر الله تعالى تارة يكون لعظمته، فيتولد منه الهيبة والإجلال. وتارة يكون لقدرته فيتولد منه الخوف والحزن. وتارة لنعمته فيتولد منه الشكر، ولذلك قيل: ذكر النعمة شكرها. وتارة لأفعاله الباهرة فيتولد منه العبر. فحق المؤمن أن لا ينفك أبدا عن ذكره تعالى على أحد هذه الأوجه. وقوله تعالى وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ فيه أمر بشكره على نعمه وعدم جحدها (فالكفر هنا ستر النعمة لا التكذيب) . وقد وعد تعالى على شكره بمزيد الخير فقال: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: ٧] قال ابن عطية:

اشكروا لي واشكروني بمعنى واحد. و «لي» أفصح وأشهر مع الشكر.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ١٥٣]]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ أرشد تعالى المؤمنين، إثر الأمر بالشكر في الآية قبل، بالاستعانة بالصبر والصلاة. لأن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها. أو في نقمة فيصير عليها. كما جاء

في الحديث «١» : عجبا للمؤمن لا يقضى له قضاء إلا كان خيرا له

. إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له. وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له. وبيّن تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب في سبيل الله، الصبر والصلاة. كما تقدم في قوله وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ [البقرة: ٤٥] ،

وفي الحديث «٢» : أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا حزبه أمر صلّى

. ثم إن الصبر صبران: صبر على ترك المحارم والمآثم، وصبر على فعل الطاعات والقربات. والثاني أكثر ثوابا. لأنه المقصود وأما الصبر الثالث، وهو الصبر على المصائب والنوائب، فذاك أيضا واجب. كالاستغفار من المعائب.

وقال الإمام ابن تيمية في كتابه (السياسة الشرعية) وأعظم عون لوليّ الأمر خاصة، ولغيره عامة ثلاثة أمور: أحدها الإخلاص لله، والتوكل عليه بالدعاء وغيره.


(١)
أخرج مسلم في صحيحه في: الزهد والرقائق، حديث ٦٤ ما نصه: عن صهيب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «عجبا لأمر المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له» .
وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ٥/ ٢٤ ما نصه: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «عجبا للمؤمن، لا يقضي الله له شيئا إلا كان خيرا له»
. [.....] (٢) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ٥/ ٣٨٨، عن حذيفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>