للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا على دفع ضرّ ما إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ أي تمليكه لي من ذلك بأن يلهمنيه، فيمكنني منه، ويقدرني عليه. وهذا كقوله تعالى في سورة يونس وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ، لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ [يونس: ٤٨- ٤٩] . وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ أي النفع، بترتيب أسبابه، فكنت مثلا أعد للسنة المجدبة من المخصبة، ولوقت الغلاء من الرخص وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ أي الضر، للتوقي عن أسبابه إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ أي عبد أرسلت نذيرا وبشيرا، وما من شأني أني أعلم الغيب. وقوله تعالى: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يجوز أن يتعلق ب نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ جميعا، لأن المؤمنين هم المنتفعون بالنذارة والبشارة، أو يتعلق ب بَشِيرٌ وحده، ومتعلق النذير محذوف، أي للكافرين، وحذف للعلم به. وقال الشهاب: ليطهر اللسان منهم. ثم بيّن تعالى عظم جناية الكفرة في جراءتهم على الإشراك، بتذكير مبادئ أحوالهم المنافية له، بقوله سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٩]]

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩)

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وهي نفس آدم عليه السلام وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها أي من جنسها، كقوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً [الروم: ٢١] ، لِيَسْكُنَ إِلَيْها أي ليطمئن إليها ويميل، ولا ينفر، لأن الجنس إلى الجنس أميل، وبه آنس. وإذا كانت بعضا منه كان السكون والمحبة أبلغ، كما يسكن الإنسان إلى ولده، ويحبه محبة لكونه بضعة منه. وذكّر لِيَسْكُنَ بعد ما أنث في قوله واحِدَةٍ ومِنْها زَوْجَها ذهابا إلى معنى النفس، ليبين أن المراد بها آدم، ولأن الذكر هو الذي يسكن إلى الأنثى ويتغشاها، فكان التذكير أحسن طباقا للمعنى. أفاده الزمخشري. فَلَمَّا تَغَشَّاها أي وطئها. و (التغشي) كناية عن الجماع، وكذلك الغشيان والإتيان حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً أي خف عليها، وذلك أول الحمل، لا تجد المرأة له ألما، إنما هي النطفة، ثم العلقة، ثم المضغة فَمَرَّتْ بِهِ أي فاستمرت به خفيفة، وقامت وقعدت فَلَمَّا أَثْقَلَتْ أي صارت ذات ثقل، لكبر الولد في بطنها دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً أي ولدا سويا قد صلح بدنه، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>