قال أبو السعود: الفقه معرفة غرض المتكلم من كلامه. أي: ما نفهم مرادك، وإنما قالوه بعد ما سمعوا منه دلائل الحق البين على أحسن وجه وأبلغه، وضاقت عليهم الحيل، فلم يجدوا إلى محاورته سبيلا، سوى الصدود عن منهاج الحق، والسلوك إلى سبيل الشقاء، كما هو ديدن المفحم المحجوج، يقابل البينات بالسب والإبراق والإرعاد. فجعلوا كلامه المشتمل على فنون الحكم والمواعظ، وأنواع العلوم والمعارف، من قبيل ما لا يفهم معناه، ولا يدرك فحواه، وأدمجوا في ضمن ذلك أن في تضاعيفه ما يستوجب أقصى ما يكون من المؤاخذة والعقاب. ولعل ذلك ما فيه من التحذير من عواقب الأمم السالفة، ولذلك قالوا:
وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً أي لا قوة لك، فتمتنع منا إن أردنا بك سوءا وَلَوْلا رَهْطُكَ أي قومك وأنهم على ملتنا لَرَجَمْناكَ أي قتلناك برمي الأحجار، أو شر قتلة وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ أي لا تعز علينا ولا تكرم، حتى نكرمك ونمنعك من الرجم.
قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ أي من أمره ووحيه ودينه وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا أي نسيتموه وجعلتموه كالشيء المنبوذ وراء الظهر، لا يعبأ به.
و (الظهري) منسوب إلى الظهر، والكسر من تغييرات النسب، كما قالوا:(إمسي) بالكسر في النسبة إلى (أمس) و (دهريّ) ، بالضم، في النسبة إلى (الدهر) إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ أي عالم، لا يخفى عليه، فيجازيكم.
وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ أي غاية تمكنكم واستطاعتكم، أو على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها، من كفركم وعداوتكم إِنِّي عامِلٌ أي على مكانتي التي كنت عليها من الثبات على الإسلام والمصابرة.