وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ يخبر تعالى عن ضلال من ضل من بني إسرائيل، في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامري من حليّ القبط، الذي كانوا استعاروه منهم، فشكل لهم منه عجلا، جسدا لا روح فيه.
وقد احتال بإدخال الريح فيه، حتى صار يسمع له خوار، أي صوت كصوت البقر.
وإنما أضاف الصوت إليه، لأنه كان محله عند دخول الريح جوفه. وكان هذا منهم بعد ذهاب موسى لميقات ربه تعالى وأعلمه الله تعالى بذلك وهو على الطور، حيث يقول إخبارا عن نفسه الكريمة فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ [طه: ٨٥] .
[لطائف:]
قال الزمخشري: فإن قلت: لم قيل وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى ... عِجْلًا والمتخذ هو السامري؟ قلت: فيه وجهان:
أحدهما- أن ينسب الفعل إليهم، لأن رجلا منهم باشره، ووجد فيما بين ظهرانيهم، كما يقال:(بنو تميم قالوا كذا وفعلوا كذا) والقائل والفاعل واحد.
ولأنهم كانوا مريدين لاتخاذه، راضين له، فكأنهم أجمعوا عليه.
والثاني: أن يراد: واتخذوه إلها وعبدوه. فإن قلت: لم قال: مِنْ حُلِيِّهِمْ ولم يكن الحليّ لهم، إنما كانت عواري في أيديهم؟ قلت: الإضافة تكون بأدنى ملابسة، وكونها في أيديهم عواري، كفى به ملابسة. على أنهم قد ملكوها بعد المهلكين، كما قال تعالى: وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ [الشعراء: ٥٩] انتهى.
قال النسفي: وفيه دليل على أن من حلف أن لا يدخل دار فلان، فدخل دارا استعارها يحنث. وأن الاستيلاء على أموال الكفار يوجب زوال ملكهم عنها- انتهى-.
والحليّ بضم الحاء والتشديد، جمع (حلي) بفتح فسكون. ك (ثدي وثديّ) وهو اسم لما يتحسّن به من الذهب والفضة.