[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٤٤]]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً هذا نهي عن موالاة الكفرة. يعني مصاحبتهم، ومصادقتهم، ومناصحتهم، وإسرار المودة إليهم، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم. كما قال تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ. وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران: ٢٨] . أي: يحذركم عقوبته في ارتكابكم نهيه. ولهذا قال هاهنا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً أي: حجة عليكم في عقابكم بموالاتكم إياهم. وقد دلت الآية على تحريم موالاة المؤمنين للكافرين. قال الحاكم: وهي الموالاة في الدين والنصرة فيه. لا المخالقة والإحسان. قال الزمخشريّ: وعن صعصعة بن صوحان أنه قال لابن أخ له: خالص المؤمن وخالق الكافر والفاجر. فإن الفاجر يرضى منك بالخلق الحسن. وأنه يحق عليك أن تخالص المؤمن. قال أبو السعود: وتوجيه الإنكار إلى الإرادة دون متعلقها بأن يقال: أتجعلون ... إلخ، للمبالغة في إنكار ذلك، وتهويل أمره ببيان أنه مما لا يصدر على العاقل إرادته، فضلا عن صدور نفسه. كما في قوله عز وجل: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ [البقرة: ١٠٨] .
[لطيفة:]
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال: كل سلطان في القرآن حجة. وكذا قال غيره من أئمة التابعين. قال محمد بن يزيد: هو من (السليط) . وهو دهن الزيت لإضاءته. أي: فإن الحجة من شأنها أن تكون نيّرة. وفي (البصائر) إنما سمى الحجة سلطانا لما يلحق من الهجوم على القلوب. لكن أكثر تسلطه على أهل العلم والحكمة.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٤٥]]
إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ قرئ بسكون الراء وفتحها الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ أي الطبق الذي في قعر جهنم. والدرك كالدرج. إلا أنه يقال باعتبار الهبوط. والدرج