فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ أي كله إليّ فإني أكفيكه، وهذا من بليغ الكناية. كأنه يقول: حسبك انتقاما منه، أن تكل أمره إليّ، وتخلّي بيني وبينه، فإني عالم بما يجب أن يفعل به، قادر على ذلك. سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ أي سنكيدهم بالإمهال وإدامة الصحة، وزيادة النعم، من حيث لا يعلمون أنه استدراج، وسبب لهلاكهم. يقال: استدرجه إلى كذا، أي: استنزله إليه درجة فدرجة، حتى يورّطه فيه.
وَأُمْلِي لَهُمْ أي أمهلهم وأنسئ في آجالهم ملاوة من الزمان، لتكمل حجة الله عليهم. إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ أي كيدي بأهل الكفر شديد قويّ.
قال الزمخشريّ: الصحة والرزق والمدّ في العمر، إحسان من الله وإفضال، يوجب عليهم الشكر والطاعة، ولكنهم يجعلونه سببا في الكفر باختيارهم. فلما تدرجوا به إلى الهلاك، وصف النعم بالاستدراج. وقيل: كم من مستدرج بالإحسان إليه، وكم من مفتون بالثناء عليه، وكم من مغرور بالستر عليه. وسمى إحسانه وتمكينه (كيدا) ، كما سماه استدراجا، لكونه في صورة الكيد، حيث كان سببا للتورط في الهلكة. ووصفه بالمتانة لقوة أثر إحسانه في التسبب للهلاك.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القلم (٦٨) : الآيات ٤٦ الى ٤٧]
أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً أي على ما أتيتهم به من النصيحة، ودعوتهم إليه من الحق.
فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ أي من عزة ذلك الأجر مثقلون. أي أثقلهم الأداء، فتحاموا لذلك قبول نصيحتك، وتجنبوا الدخول فيما دعوتهم إليه. والمعنى: لم تطلب منهم على الهداية والتعليم أجرا، فيثقل عليهم حمله حتى يثبطهم عن الإيمان. أَمْ