للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تنبيه:]

قال الجشمي: تدل الآية على عظيم نعمه تعالى بهذه النعم التي عدّها. وذهب علي بن موسى القمي إلى أنها تدل على وجوب ستر العورة. وقال آخرون: لا تدل، وليس في الظاهر إلا الإنعام به من حيث نفي الحر والبرد وستر العورة والتجمل به، فأما أنه واجب، فبعيد. ولو ثبت وجوبه عليه، احتجنا إلى وجوبه في شريعتنا إلى دليل مستأنف. وقد ثبت في هذه الشريعة وجوبه بالخبر المستفيض والإجماع، فلا حاجة إلى الرجوع إلى شريعة أخرى. وتدل على أنه تعالى كما أنعم بنعم الدنيا، أنعم بنعم الدين، فإن الأقرب أن لباس التقوى العلم والعمل الصالح، فكأنه ضم إلى نعم الدنيا نعم الدين التي بها يحصل الفوز بالثواب، فتحصل نعمة الدارين.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأعراف (٧) : آية ٢٧]]

يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧)

يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ أي لا يخدعنكم عن دخول الجنة، بنزع لباس الشريعة والتقوى عنكم، فيخرجكم من نظر الله بالرحمة إليكم كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ نعت لمصدر محذوف، أي لا يفتننكم فتنة مثل إخراج أبويكم يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما أي الظاهر بسبب نزع لباس التقوى لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما أي الظاهرة الدالة على السوأة الباطنة. وجملة (ينزع) حال من (أبويكم) أو من فاعل (أخرج) ، أي: أخرجهما نازعا لباسهما، بأن كان سببا في أن نزغ عنهما وصيغة المضارع لاستحضار الصورة.

[تنبيهان:]

الأول- قال السيوطي في (الإكليل) : استدل بهذه الآية أيضا على وجوب ستر العورة، واستدل بالآيتين من قال: إن العورة هي السوأتان خاصة- انتهى-.

الثاني- قال الإمام الرازي: اعلم أن المقصود من ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام حصول العبرة لمن يسمعها، فكأنه تعالى لما ذكر قصة آدم، وبين فيها شدة عداوة الشيطان لآدم وأولاده، أتبعها بأن حذر أولاده من قبول وسوسة الشيطان، فقال: يا بَنِي آدَمَ ... الآية- وذلك لأن الشيطان لما بلغ أثر كيده، ولطف

<<  <  ج: ص:  >  >>