يستحقوا الثواب بالالتزام وإنما استحقوه بالعمل بها من بعد. فأما في التزامها فمضطرون، وقال بعض الناس: عنى بالطور تشديد الأمر عليهم، وجعل ذلك مثلا.
وذلك بعيد. ومثله قول القاشانيّ: طور الدماغ للتمكن من فهم المعاني وقبولها. فإنه بعيد يأباه ظاهر الآية الأخرى. وإن كان الإطلاق في اللغة لا ينحصر في الحقيقة.
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ أي أعرضتم عن الوفاء بالميثاق مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي من بعد أخذ ذلك الميثاق المؤكد فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ أي لكم بتوفيقكم للتوبة، أو تأخير العذاب، لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ أي الهالكين بالعقوبة.
قال الراغب: الخاسر المطلق، في القرآن، هو الذي خسر أعظم ما يقتني، وذلك نعيم الأبد، وهو المذكور في قوله قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ [الزمر: ١٥] .
وقال القفال: قد يعلم في الجملة أنهم بعد قبول التوراة ورفع الطور، تولوا عن التوراة بأمور كثيرة، فحرفوا كلمها عن مواضعه. وتركوا العلم بها، وقتلوا الأنبياء، وكفروا بهم، وعصوا أمرهم. ومنها ما عمله أوائلهم، ومنها ما فعله متأخروهم، ولم يزالوا في التيه مع مشاهدتهم الأعاجيب ليلا ونهارا يخالفون موسى ويعترضون عليه، ويلقونه بكل أذى ويجاهرون بالمعاصي في معسكرهم ذلك. حتى لقد خسف ببعضهم، وأحرقت النار بعضهم وعوقبوا بالطاعون. وكل هذا مذكور في تراجم التوراة التي يقرون بها، ثم فعل متأخروهم ما لا خفاء به. حتى عوقبوا بتخريب بيت المقدس، وكفروا بالمسيح، وهموا بقتله.
والقرآن، وإن لم يكن فيه بيان ما تولوا به عن التوراة، فالجملة معروفة، وذلك إخبار من الله تعالى عن عناد أسلافهم. فغير عجيب إنكارهم ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام من الكتاب، وجحودهم لحقه. وحالهم في كتابهم ونبيهم ما ذكر.
والله أعلم.
ثم ذكّرهم تعالى بالإيقاع بمن نقض ميثاقه وفيما أخذه عليهم من تعظيم السبت بقوله: