الصدقات، الفاقة والفقر؟ توبيخ بأن مثله لا ينبغي أن يشفق منه، للزوم الخلف للإنفاق، لزوم الظل للشاخص. بوعد الله الصدق. فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا أي ما ندبتم إليه من تقديم الصدقة، وشقّ عليكم، وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بأن رخّص لكم أن لا تفعلوا، رفعا للحرج حسبما أشفقتم، فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وسائر الطاعات، فإن ذلك يكسبكم ملكة الخير والفضيلة، وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ أي فيجزيكم بحسبه.
[تنبيه:]
في (الإكليل) : قوله تعالى: إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ الآية منسوخة بالتي بعدها، وفيه دليل على جواز النسخ بلا بدل، ووقوعه، خلافا لمن أبى ذلك. انتهى.
والظاهر أن مستند شهرة النسخ ما
رواه ابن جرير عن مجاهد قال: قال عليّ رضي الله عنه: إن في كتاب الله عز وجل لآية ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ ... إلخ قال: فرضت، ثم نسخت.
وعنه أيضا قال: نهوا عن مناجاة النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى يتصدقوا، فلم يناجه إلا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، قدم دينارا فتصدق به، ثم أنزلت الرخصة في ذلك.
وعن قتادة أنها منسوخة، ما كانت إلا ساعة من نهار.
وعنه أيضا قال: سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة فوعظهم الله بهذه الآية، وكان الرجل تكون له الحاجة الى نبي الله صلى الله عليه وسلم فلا يستطيع أن يقضيها حتى يقدم بين يديه صدقة، فاشتد ذلك عليهم، فأنزل الله الرخصة بعد ذلك فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وعن الحسن وعكرمة قالا: إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ ... الآية، نسختها التي بعدها أَأَشْفَقْتُمْ ... الآية.
هذه الآثار وأمثالها هي مستند مدعي النسخ، وقوفا مع ظاهرها. وقد أسلفنا في مقدمة التفسير، ومواضع أخرى، أن النسخ في كلام السلف أعم منه باصطلاح الخلف، كما أن المراد من سبب النزول أعم مما يتبادر إليه الفهم. ومنه قول قتادة هنا: فأنزل الله الرخصة بعد ذلك. فإن مراده إبانة أن الأمر ليس بعزيمة في الآية الثانية، لا أن نزولها كان متراخيا عن الأولى، فإن ذلك مستحيل على رونق نظمها الكريم. والأصل في الآي المقررة لحكم ما، هو اتصال جملها، وانتظام عقدها، إذ به يكمل سحر بلاغتها، وبديع بيانها وتمام فقهها. والذين ذهبوا إلى عدم وقوع النسخ في التنزيل، لهم في الآية وجوه: