تعليل لما قبله. أي هو قادر على جمعكم من الأرض، وإن تفرقت أجسادكم وأبدانكم.
(تنبيه) تشير الآية إلى أن الناس على مذاهب عديدة وأديان متنوعة. وأن على العاقل أن يستبق إلى ما كان خيرها وأرقاها. وقد اتفق العقلاء قاطبة والفلاسفة أن دين الإسلام أرقى الأديان كلها لما حوى من حاجيات الكمال البشريّ، ووفي بشئون الاجتماع، وأسباب العمران وذرائع الرقيّ وطرق السعادتين. وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ [الحج: ٦٧] وقوله لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ، فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [المائدة: ٤٨] .
ثم إنه تعالى أكد حكم التحويل وبيّن عدم تفاوت أمر الاستقبال في حالتي السفر والحضر بقوله:
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ أي ومن أيّ بلد خرجت للسفر فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إذا صليت وَإِنَّهُ أي هذا الأمر لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ قرئ بالياء فهو وعيد للكافرين، وبالتاء فهو وعد للمؤمنين. ولما عظم في شأن القبلة انتشار أقوال السفهاء وتنوع شغبهم وجدالهم، كان الحال مقتضيا لمزيد تأكيد لأمرها، تعظيما لشأنها وتوهية لشبههم، فقال تعالى: