القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الضحى (٩٣) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥)
وَالضُّحى تقدم في سورة وَالشَّمْسِ وَضُحاها تفسير الضحى بالضوء وارتفاع النهار ارتفاعا عاليا وَاللَّيْلِ إِذا سَجى أي اشتد ظلامه. وأصله من التسجية وهي التغطية، لستره بظلمته. كما في آية وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً [النبأ: ١٠] ، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ جواب القسم. أي: ما تركك وما قطعك قطع المودّع.
قال الشهاب في (العناية) : فالتوديع مستعار استعارة تبعية للترك هنا. وفيه من اللطف والتعظيم ما لا يخفى. فإن الوداع إنما يكون بين الأحباب ومن تعزّ مفارقته.
كما قال المتنبي:
حشاشة نفس ودّعت يوم ودّعوا ... فلم أدر أيّ الظاعنين أشيّع
وقال في (شرح الشفاء) : الوداع له معنيان في اللغة: الترك وتشييع المسافر.
فإن فسر بالثاني هنا على طريق الاستعارة، يكون فيه إيماء إلى أن الله لم يتركه أصلا.
فإنه معه أينما كان. وإنما الترك، لو تصور في جانبه، ظاهر مع دلالته بهذا المعنى على الرجوع. فالتوديع إنما يكون لمن يحب ويرجى عوده. وإليه أشار الأرجاني بقوله:
إذا رأيت الوداع فاصبر ... ولا يهمنّك البعاد
وانتظر العود عن قريب ... فإن قلب الوداع (عادوا)
فقوله وَما قَلى مؤكد له. (قال) : وهذا، لم أر من ذكره مع غاية لطفه.
وكلهم فسروه بالمعنى الأول. ولما رأوا صيغة الفعل تفيد زيادة المعنى والمبالغة فيه. فيقتضي الانقطاع التام، قالوا: إن المبالغة في النفي لا في المنفيّ فتركه لحكم عليه، لا لضرره بهجره. أو لنفي القيد والمقيد. وقرئ ما وَدَّعَكَ بالتخفيف. وورد