هذه الآيات وتدبرها بصادق النظر والإمعان. وقد اهتدى إلى ذلك الفاضل المهايميّ في تفسيره. فاقتصر على هذا الوجه فقال: وهم الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البدو لاجتواء المدينة. فلم يزالوا يرتحلون مرحلة بعد أخرى حتى لحقوا المشركين. انتهى. وقول السيوطيّ: في إسناد رواية عبد الرحمن بن عوف عند أحمد تدليس وانقطاع. لا يقدح في إصابتها كبد الحقيقة. لأنها وجدت فيها قرينة تلحقها بالمقبول وهو موافقتها لألفاظ الآية بلا تكلف. وحينئذ فقول زيد بن ثابت:
فنزلت فيما تقدم بمعنى أنها تشمل ما وقع من المنخزلين عن أحد وما جرى من اختلاف المؤمنين في شأنهم. لا أنّ ما وقع كان سببا لنزولها. واستعمال النزول بذلك معروف كما بيناه في المقدمة. وإلا لأشكل قوله تعالى:(إلا أن يهاجروا) . إذ لم تطلب المهاجرة إلا من النائين عن المدينة. وأولئك، أعني الذين انخزلوا عن المسلمين في أحد، كانوا بها. فيحتاج إلى جعل المهاجرة بمعنى خروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، صابرين محتسبين مخلصين. كما قاله بعض المفسرين.
وهذا المعنى لم يشع في المهاجرة. ولأشكل أيضا قوله تعالى: فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ. فإنه يفيد بأنهم ليسوا من منافقي أهل المدينة. وإنه يتوقع الظفر بهم. وإلا فمنافقوها بين ظهرانيهم ليلا ونهارا. فالظاهر في هذا المقام رواية ابن عوف. وفي آخر رواية زيد ما يشعر بها حيث قال: إنها طيبة وإنها تنفي الخبث.
إشارة إلى أن المدينة نفت هؤلاء الذين نزحوا عنها بعد إسلامهم. والله أعلم. ثم استثنى عن أسر المرتدين وقتلهم بقوله:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٩٠]]