وَبَيْنَهُما حِجابٌ أي: بين الفريقين سور وستر، أو بين الجنة والنار، ليمنع ووصل أثر إحداهما إلى الأخرى. وقد سمي هذا الحجاب سورا في آية فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ، فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ [الحديد: ١٣] ، وقوله تعالى: وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ أي على أعراف الحجاب وشرفاته وأعاليه، وهو السور المضروب بينهما، جمع عرف، مستعار من عرف الفرس، وعرف الديك. وكل ما ارتفع من الأرض عرف، فإنه بظهوره أعرف مما انخفض.
وقد حكى المفسرون أقوالا كثيرة في رجال الأعراف، عن التابعين وغيرهم، أنهم فضلاء المؤمنين، أو هم الشهداء، أو الأنبياء، أو قوم أوذوا في سبيل الله، فاطلعوا على أعدائهم ليشمتوا بهم، فعرفوهم بسيماهم، وسلّموا على أهل الجنة.
واللفظ، لإبهامه، يحتمل ذلك لأن السياق يدل على سموّ قدرهم، لا سيما بجعل منازلهم الأعراف، وهي الأعالي، والشرف، كما تقدم ومن ذكر كلهم جديرون بذلك- والله أعلم-.
يَعْرِفُونَ كُلًّا أي من أهل الجنة والنار بِسِيماهُمْ أي بعلامتهم التي أعلمهم الله بها، كبياض الوجه وسواده.
[فائدة:]
السيما مقصورة وممدودة، والسيمة والسيمياء بكسرهن العلامة. قال القاضي: السيمى فعلى من (سام إبله) إذا أرسلها في المرعى معلمة. أو من (وسم) على القلب (كالجاه) من (الوجه) . انتهى. وعلى الثاني اقتصر ابن دريد وَنادَوْا أي رجال الأعراف أَصْحابَ الْجَنَّةِ أي حين رأوهم من أعرافهم، وقد عرفوهم من سيماهم أنهم أهل الجنة أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بطريق الدعاء والتحية، أو بطريق الإخبار بنجاتهم من المكاره. والوجه الأول هو المأثور عن ابن عباس رضي الله عنه فيما رواه عنه العوفي. قال رضي الله عنه: أنزلهم الله بتلك المنزلة ليعرفوا من في الجنة والنار، وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه، ويتعوذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين، وهم