وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي: أمهلتهم وتركتهم ملاوة من الزمن، في أمن ودعة، كما يملى للبهيمة في المرعى ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ أي: عقابي إياهم. وفيه من الدلالة على فظاعته ما لا يخفى. والآية تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما لقي من المشركين من التكذيب والاقتراح، على طريقة الاستهزاء به، ووعيد لهم.
أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ أي: مراقب لأحوالها ومشاهد لها، لا يخفى عليه ما تكسبه من خير أو شرّ. فهو مجاز، لأن القائم على الشيء عالم به، ولذا يقال: وقف عليه- إذا علمه فلم يخف عليه شيء من أحواله، والخبر محذوف تقديره: كمن ليس كذلك- وإنما حذف اكتفاء بدلالة السياق عليه وهو قوله:
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ أي: عبدوها معه من أصنام وأنداد وأوثان وقوله: قُلْ سَمُّوهُمْ تبكيت لهم إثر تبكيت، أي: سمّوهم من هم، وماذا أسماؤهم؟ فإنهم لا حقيقة لهم! أوصفوهم وانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة؟.
وقال الرازي: إنما يقال ذلك في الأمر المستحقر الذي بلغ في الحقارة إلى ألا يذكر ولا يوضع له اسم، فعند ذلك يقال: سمّه إن شئت، يعني: أنه أخسّ من يسمّى ويذكر، ولكنك إن شئت أن تضع له اسما فافعل. فكأنه تعالى قال: سمّوهم بالآلهة، على سبيل التهديد، والمعنى: سواء سميتموهم بهذا الاسم أو لم تسموهم به، فإنها في الحقارة بحيث لا تستحق أن يلتفت العاقل إليها.
أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أي: بشركاء لا يعلمهم سبحانه. وإذا كان لا يعلمهم، وهو عالم بكل شيء مما كان ومما يكون، فهم لا حقيقة لهم. فهو نفي لهم بنفي لازمهم على طريق الكناية.